
إنّ نظرية الجبل الجليدي التي أتت على ذكرها أ. نادية خوندنة في كتابها ( موزاييك) في نقد القصص القصيرة وقامت في تفسيرها أرى من جانب آخر إشارةً إلى بزوغ جيل جديد في المملكة العربية السعودية، مثل ذلك الحبل الذي تكشّف بعد ذوبان جليده عن تطلّعات وكفاءات أفراده الذين جمعوا بين معطيات التجديد والتحديث في صياغة أدب جديد!
وهذا ما يُحيلني بالذّاكرة إلى تسعينات القرن العشرين حين لمستُ إرهاصات هذا البزوغ يوم كنتُ أُتابع الصحافة السعودية قارئًا وكاتبًا فيها ولا ريب أن جيلًا آخر سيتابع مسيرة الإبداع في الشعر والقصة والرواية والنقد الأدبي بخطوات إضافيةٍ .
نادية خوندنة تساهم بالدرس والنقد في رصد وتأريخ رؤى هذه المستجدات في كتابها الممتع والمفيد.
● مزايا وخصائص
مهمة هذه الدراسة ولأَقل هذا العرض لعمل نقدي وهوالبحث قدر المستطاع في كثافة الموضوعات فيه والقضايا والأشخاص عن مزايا نادية خوندنة دارسة وناقدة أوخصائص التحليل والتفسير وأحكام القيمة لهذا النقد أ. نادية لا إشكالية في أن يختلف الآخرون في وجهات نظرها المتبدّية في آرائها وطروحاتها فتحت عنوان (الاختلاف) قالت : “وهذا هوأحد سمات الجمال في الفكر الإنساني وفي الطبيعة والفطرة البشرية التي جعلها الله الخالق متنوعة ومختلفة بثراء لا محدود تثبت قدرته العظيمة”.
● بروح التفاؤل والثقة بالله : تتجوّل أ. نادية في حقول الثقافة والمعرفة والأدب وعلم الاجتماع لتقدّم للقارئ ما يُمتعه ويفيده منطلقةً من المحليّة إلى الفضاء الإنساني قارئةً ممتازةً ودارسةً للآداب والمعارف الأجنبية
● التوثيق : كانت شديدة الاهتمام بتوثيق المعلومات ومراجع البحث باللغة العربية واللغة الإنكليزية والأشخاص سواء في صلب الدراسات أوعلى هامشها منطلقة من مهمات العمل الأكاديمي وصفة الدارس الجامعي .
● التوازن الدقيق: فأي قارئ سوف يلحظ التوازن بين قضايا الشرق والغرب بين الواقعية فيما اختارته من أعمال ورومانسية حتى تحقيق العدالة في عدد الأعمال المدروسة بين السرد والشعر مثلًا وثمّة مزايا وخصائص سوف تتبدّى حين يتطرّق نقد النقد إلى مفاهيم ومصطلحات كثيرة وردت في سياق دراساتها التي امتازت بالإحاطة الشاملة وقد بذلت من جهود كبيرة بكل موضوع ورد في موزاييك بسبب حبها لعملها والإخلاص في أدائه وازدحام المصطلحات ميزة من مزايا نقدها لقد قامت بتتويج كل دراسة بعنوان له صفة المصطلح في العرف النقدي أوحاولت إبداعه مثال (على جناح طائر العقعق) في دراستها لرواية جوخة الحارثي من عُمان بعنوان (سيدات القمر) وكذلك عنوان (الجبل الجليدي) وهي تدرس قصصًا قصيرة جدًّا للكتّاب السعوديين جمعان الكرت، أيمن عبد الحق وحسن الفيفي تفتتح الدراسة بكلمة للقاص الفرنسي الواقعي دي موباسان : “إن هناك لحظات عابرة منفصلة عن الحياة لا يصلح لها إلا القصة القصيرة” وتصف قراءتها لقصص (ق.ق.ج): “تحلّق هذه القراءة في آفاق السموالروحي على أجنحة السرد”
أما تفسير الجبل الجليدي فكان كما أشارت :
“حيث لا يكون المعنى بصفة عامة مباشرًا على السطح وإنما يتألق ضمنيًا من خلالها”
وأضافت : “هي التقنية السردية التي اشتهر بها الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي اختصرها أحد نقاده (كارلوس بيكر) إن هذه الطريقة تجعل الحقائق الثابتة طافية فوق الماء بينما تعمل البنية الناعمة مكمّلة بالترميز مما يقوّي العمل الأدبي” هو استجابة القارئ بحيث تنفتح فضاءات النص لتأويلات المتلقّي وتفسيراته واستناتاجاته للمعاني . هنا ينتهي التنظير ليبدأ النقد التطبيقي منهما جناحان ينطلق به النقد الأدبي . ولا تكتفي بالعرض إنما تعطي (أحكام قيمة) للقصاصين الثلاثة بعد أن تضع قلمها باكتشاف أبعادًا في مجموع القصص القصيرة هي : البعد النفسي – البعد الديني – البعد الفلسفي والبعد الاجتماعي .
وقد بذلت جهودًا كبيرة في هذا التصنيف ليس في قصص قليلة بل في جميع القصص بتؤدة وعمق بعد أن رصدت السمات الأسلوبية في القصص مثل “التشويق والتكثيف والرمزية واللغة الشعرية ولحظة التنوير والدهشة والمفارقة بلغة تصويرية جميلة جدًا غنية بالتشبيهات والاستعارات والانزياح اللغوي والوصف الحسّي”

ودراستها للروايات الثلاث :
ممرات الريح لنبيلة محجوب السعودية
سيدات القمر لجوخة الحارثي العمانية
حكاية حب في زمن الكورونا لعبد الحميد القائد البحريني
لا تقل قيمة عن دراسة (ق.ق.ج) إلا أن اهتمامها وكتابتها للقصص إضافة إلى النقد تميّز عن سواها في نقدها الأفقي والشاقولي ( المضمون والشكل) تحت عنوان المكان المقدس ( مكة المكرمة)، كانت الرواية الواقعية (ممرات الريح) ومما قالته الناقدة نادية عن نبيلة محجوب : “لقد أبدعت في رسم الهُويّة المكية من الصفحة الأولى للرواية المهيمنة على العمل بجمال وجلال وبسلاسة وانسياب مما يعطي متعة نفسية كبيرة للقراء من أبناء مكة وبالذات من ولدوا وعاشوا خلال الفترة التي تشير إليها الرواية”
ممرات الريح رواية اجتماعية بالدرجة الأولى ثم رواية نفسية ولن أدخل في سرد تفاصيل الرواية وإنما أشير إلى أن الرواية كما يبدومن نقد نادية ترصد الوضع الاجتماعي للأسرة وما تعانيه من عادات ومقولات مثل: ظل راجل ولا ظل حيط الأنثى تظلّ مخلوقًا ناقصًا حتى ترتبط برجل إضافة إلى صفات الرجل المكي اقتصادي، كريم متواضع، وصادق تتعرض الرواية إلى أسماء المناطق بالحرم المكي وإلى الأغاني الحجازية ولباس النساء المكيّات وتتخلّل لغة السرد لهجة محلية وقارئها العربي يسأل عن معنى (الشيت) و(الحسيس)؟
الشخصية المحورية (بدرية) فنانة تشكيلية تعاني من نفور حتى جسدي من أمها وتقول : كأني لقيطة أوابنة زوجها ! تقيم معرضًا مختلطًا للوحاتها .. ويقتني رجل الأعمال معظم اللوحات وهومن كان يجاور عائلتها في زمن مضى .. ويبدأ التشويق وتنامي الحدث ؟!
على الطرف الآخر وتحت عنوان (على جناح طائر العقعق) تبدو الروائية العمانية جوخة الحارثي في روايتها سيدات القمر كما رأتها الناقدة نادية : فالكاتبة تكتب التاريخ أدبيًا تنقلنا عبر قصصها إلى التطورات التاريخية والسياسية دون أن تخرج عن السرد الفني وتجد الباحثة خوندنة: “إن عنصر الصوفية في الرواية هوأحد العوامل الجاذبة للقارئ الغربي والذي يجد فيه عالمًا مليئًا بالغموض وما وراء العالم المادي المحسوس” .
وتعتبر مثل سيدات القمر مفخرة بدون أن تتخلى الروائية الحارثي عن هوّيتها العربية والإسلامية تستخدم الروائية جوخة عدة تقنيات فرعية تدخل تحت الإطار الكبير لتيّار الوعي مثل الاستبطان والتداعي الحر والمونولوج و(فلاش باك) أما رواية عبد الحميد القائد حكاية حب في زمن الكورونا تحت عنوان الواقعية السحرية كعادتها تبدأ الناقدة نادية في التنظير باحثة عن جذور الواقعية السحريّة التي شاعت بعد حصول ماركيز على جائزة نوبل وحصد شهرة بعد إصدار روايته (حب في زمن الكوليرا) فتجد ألف ليلة وليلة ينطبق عليها صفات الواقعية السحرية لما تحويه من غرائب وفنتازيا تشدّ القراء إليها وانتشارها في أمريكا اللاتينية وفي روايات معاصرة لروائيين عرب مثل : نجيب محفوظ – محمد جبريل – عبد الرحمن منيف – فاطمة المرنيسي .
ورواية حكاية حب في زمن الكورونا للقائد تتوفر فيها بعض سمات الواقعية السحرية تبدّت في حكاية حب بين سائحة تونسية وشاب من البحرين وأرى أن عبد الحميد القائد كونه شاعرًا ذا خيال مجنّح سوريالي ساعده على خلق أجواء الواقعية السحرية !
الشعر والشاعرية
ومثلما اهتّمت خوندنة بالسرد الروائي والقصصي اهتمت أيضًا بالشعر – فن العربية الأول وبالشعراء: مثل د. شهاب غانم وأ-عبدالله محمد السّبب أ-مُريد البرغوثي وكما أطلقت عناوين أومقولات قبل كل حديث عن السّردييّن أطلقت تسميات لافتة للشعراء بُردة الهاشمي من وحي رحلة حجازيّة وقامت بسرد وقائع رحلة بحثية روحية قام بها الشاعر د. شهاب غانم برفقة المهندس رشاد بوخش رئيس جمعية التراث العمراني في الإمارات مدة الرحلة كانت خمسة أيام في الوقت الذي بدأت فيه الرحلة من المدينة المنورة بدأت قريحة الشاعر بالعطاء الشعري/
تقول خوندنة .. “في هذه القصيدة الذي خصص لها ستة عشر بيتًا يلتقي عنصران مهمّان وهما : المشاعر الذاتية والعواطف الروحانية”:
إلى حرم المختار جئنا يشدّنا
هوًى للحبيب المصطفى وهُيام
هنا طيبة الفضلى هنا كل ..
ركن بألف .. هنا قلب يخرُّ وهامُ
ويستمر الشعر في وصف شمال الحجاز ومن خيبر إلى العلا حيث قال في مَعلَمٍ فيه :
وفي السهل قرب البئر مبنى محطّة أنيق (قطار الشرق) فيه ينام
فجّرها المستعمرون لينفسوا الخلافة حتى يضعف الإسلام
تعلق خوندنة قائلةً:
في هذه الأبيات أعاد لنا الشاعر د. شهاب غانم أحداثًا تاريخية هامة وبعثها للحياة.
وأمام الوقوف في المكان الذي جرت فيه موقعة (الخندق) قال الشاعر :
وللخندق المشهور سرنا ولم تزل
مساجد فيه سبعة أعلام
وقد هزم الأحزاب بالريح وحده
مليك له الإجلال والإعظام
وحين الوصول إلى موقعه بدر :
وسرنا إلى (بدر) وذلك موقع
له الحب والإجلال والإعظام
هي الغزوة الكبرى وإن كان حجمها
صغير فمنها المسلمون تناموا
عبد الله محمد السّبب..
يرثي صديقه الشاعر الراحل ثاني السّويدي بعد أن أولت الناقدة نادية خوندنة الرواية والقصص القصيرة بالتحليل والدرس اختارت ثلاثة شعراء أولهم الشاعر د. شهاب غانم المعروف بأصالة شعره العمودي والتفعيلي ورأت نادية خوندنة أن تستمر في توازن المختارات بين الشعر والسرد حتى بين شعر تقليدي على النمط المعهود وقصيدة النثر .. فاختارت شاعر قصيدة نثر هوعبد الله محمد السّبب المعروف بوفائه لأصدقائه الأدباء والشعراء أحياء وأمواتًا وبشكل لافت للنظر عنونت دراستها عنه بجملة طويلة معبّرة ذات جرس لطيف : صديق صدوق صادق الوعد منصفًا.. وقبل أن تدرس قصيدة السّبب المسمّاة (في سالف الريح) المهداة إلى روح الشاعر الراحل ثاني السويدي1966-2020 ومقاربة قصيدة السويدي (إلى متشرد) سردت للقارئ بعض الأخبار التاريخية عن صداقات بين الشعراء مثال على ذلك صداقة ربطت بين ويليام ووردورث 1770-1850 وصاموئيل تايلور كول ردج 1772-1832بعمل مشترك بعنوان(قصائد غنائية) بتاريخ 1798 يُعدّ لبنةً أولى للحركة الرومانسية في الأدب الإنكليزي ويعود اهتمامها بالأدب الإنكليزي لتخصّصها فيه وعشقها للترجمة ونجاحها إلى حدّ قامت بترجمة الشعر النّبطي للشاعرة الإماراتية عوشة بنت خليفة السويدي الملقّبة ب(فتاة العرب) بتكليف من الدكتورة رفيعة غباش كما عرّجت إلى التراث العربي فاختارت مقولة أبي حيّان التوحيدي عن الأصدقاء والصداقة !
وأما الكتّاب وأهل الله فإنهم إذا خلوا من التنافس والتحاسد والتماحك فربما صحّت لهم الصداقة وظهر منهم الوفاء وهذا القليل من الأصل القليل وعبد الله محمد السّبب من هذا القليل؟!
ثاني السويدي
يبدوأنّ الناقدة نادية ذات نظرة راضية ومتعايشة تُجاه الأشكال الشعرية الثلاثة فنجد حديثها عن الشاعرين الصّديقين كاتبي قصيدة النثر حديث تعاطف مع هذا النمط الإشكالي .. لم ترفض هذا الشكل الذي شاع وانتشر ليس بين الشعراء فحسب بل بين الدارسين والنقاد وأساتذة الجامعات فتتحدث نادية عن هذا النمط بحماسة الباحث فتقوم بالتعليق بين قصيدة عبد الله السّبب في (سالف الريح) وقصيدة الشاعر الراحل ثاني السويدي (إلى متشرّد) هذا الشاعر الذي ينحاز بشعره إلى البؤساء والمهمّشين والمعذبين في الأرض
وإن الكلام الذي أقول هوإضافة إلى ما قالته الدكتورة نادية وما أقدمت عليه من تحليل ومقارنة ومشاركة هوتعقيب على كتابة .. بعض كتابة الشاعر السبب تُّجاه صديقه الذي تأثّر بموته كما تأثر بآلام حياته .
أطلق بعض النقاد على السّويدي لقب شاعر البحر لالتصاقه الكبير به وأطلق عليه الشاعر يوسف أبولوز لقب شاعر الماء وتجلّى ذلك في قصائده وفي عنوان أحد أعماله ( وليجفّ ريق البحر)..
وحين أشرف السويدي على الموت قال السّبب: إذن .. عما قريب سيهجر البحر شاطئه (السيف القديم) كما يهجر البحّارة سفنهم وهذه كناية عن افتراق حتمي بين كينونتين شديدتي التّلاحم وهما البحر وشاطئه فقد ترمزان إلى الشاعر وحروفه وتدفّقه الشعري ! وهوكذلك سيبعد كل شيء في (اليابسة البائسة) كما في البحر من (الأسماك السّميكة) التي قد تكون رمزًا لكل من ران على قلبه الطمع والجشع أوكما يشار إليهم في المجتمع (بالهوامير)..!
وتعلق نادية خوندنة: “والشاعر السّبب لا يكتفي بهذه الاستعارة البحرية المائية ليشير إلى الظلم والشقاء الذي يسبّبه الإنسان بل يوظّف استعارة تصويرية فيها جناس موسيقي في (الحناجر الخناجر) ليصوّر لنا هذا العناء وراءه حينما تستعد روحه للرحيل وهي (مستريحةً على أسرّة أسرارها؟!) وفي لوحة بديعية وأنسنة غير اعتيادية لعناصر الطبيعة والفصول الأربعة يحدثنا الشاعر السّبب على لسان الشاعر الكبير ثاني السويدي في أبيات اختالت فيها الحروف وتراقصت في ترتيبها لتكون الكلمات والمشاعر لتصف في جناس جميل عدّة مشاعر مختلفة لا يدّعيها الشاعر السويدي لنفسه ولكنه على العكس ينفي انتسابها للفصول بلاءات أربع بانزياح لغوي مدهش لا الشتاء شفي ولا الصيف مصطف ولا الربيع متربّع ولا الخريف خائف فيحس القارئ وكأن كل هذه المشاعر من الإحساس بالشقاء أوالخوف إسقاطات من لاوعي الشاعر السويدي هي الكبد والمعاناة الأزلية المكتوبة على بني الإنسان! وحين حانت ساعة الغروب وأفول شمس الإبداع بعد ما أفرغ الشاعر السويدي ما بجعبته و(قال ما قال).. وترى الناقدة نادية تحيّي وفاء السّبب بنظم القصيدة المهداة إلى روحه .. فهويرسم بمداد كلماته وأخيلته الشعرية صديقه السويدي وكأنه نذر حياته للدفاع عن معذّبي النفس في هذه الدنيا الذين يمثّلهم ( المتشرّد) وفي أبيات المقطع الأخير من قصيدة (في سالف الريح) يُقرّ السّبب في وجداننا أن السويدي الذي جعل شعره انعكاسًا لآلام الآخرين ومثّلهم وتحدّث بلسانهم قد (بلّغ حكمته) وحانت ساعة الرحيل يختزل بأبيات قليلة عميقة الدلالات رحلة العمر كلها للشاعر السويدي وساعة النهاية التي كان يترقّبها برضا وتسليم .
مقطع من قصيدة السّبب:
فيما هومتمدد- على سريره سرّه – جلس من فوز قصيدته – من فوران حكمته – قال بحكمة المتشرد – المتعهد – بالشعر المشهر – في وجه الريح – والتيه والقول النخيل – قال بحنكة المتعدد – في شهوة الجهات – والرحلة الوارفة – قال : أنا الثاني – لا أول قبلي – ولا ثالث بعدي- ولا أستبعد
ابتعاد البحر عن السيف القديم وعن الأسماك السميكة والمواويل المائلة في اليابسة البائسة – والحناجر الخناجر تغمد الصوت في الروح المستريحة على أسرّة أسرارها؟
وجدانيات الحنين
أما الشاعر الثالث فهومن فلسطين مُريد البرغوثي استعرضت كتابين يعتبران جزئين مكملين لبعضهما البعض عن العودة إلى فلسطين بعد ثلاثة عقود وتُحسن الناقدة نادية الوصف لهما.. فمن خلال سرد وقائع الزمن الحاضر نسمع ونعيش ونشهد الماضي في تداخل سربالي شعري اللغة وجداني الوصف مزيّن وموشّح بتفاصيل دقيقة كنمنمات شرقية متقنة الصنع – الهم الشخصي حاضر بقوة وبذات الوقت يريد له أن يتوارى وأن يتراجع إلى الخلف ليكون المقدمة والأولوية والأهمية للهمّ الإنساني ككل وللوطن ككل ولكل الشعب المبعثر في أرجاء العالم وقاراته الكتابان- روايتان- سير ذاتية
١-رأيت رام الله 2- ولدت هناك ولدت هنا؟
ثمّة انفعال وجداني وراء عرض الكتابين للقارئ العربي وخاصة ساعة أوردت خوندنة ما قاله الشاعر البرغوثي حين شاهد قبّة الصخرة :
ها هي قبّة الصخرة
قف أيها الغريب في طلالها
تأملها بالحواس كلها
أنت الغريب عنها يا ابني ويا صاحبها
ويا مالكها بالعين والذاكرة والورق
والتاريخ والنقوش والألوان والأشجار والآيات والقصائد
وشواهد القبور الطاغية في شيخوختها
قف أيها الغريب وانظر
ها هي قبة الصخرة ؟!
وكان الشعر ل تميم البرغوثي وأمه رضوى عاشور الأديبة المصرية :
مررنا على دار الحبيب فردّنا
عن الدار قانون الأعادي وسورها
فقلت لنفسي ربما هي نعمة
فماذا ترى في القدس حين تزورها
ترى كل ما لا تستطيع احتماله
إذا ما بدت من جانب الدرب دورها
آخر الكلام:
في ختام هذه الجولة الممتعة مع (موزاييك) اقتصرت على القسم الخاص بالرواية والقصص القصيرة والشعر فقط لتوفر التجانس فيما بين هذه الفنون الجميلة .. كانت فيها جهود مؤلفة الكتاب أكثر برزوا في مقاربتها النقد للقصص القصيرة ..
لثلاثة قصاصين برعوا في إتقانها شكلًا ومضمونًا ولم تكتف نادية خوندنة بالنقد تنظيرًا بل قامت بالنقد التطبيقي للعديد من قصص بينما تعاملت مع الشعر الذي غلب عليه الفكر بعاطفة الناقدة كما كان تعاملها النقدي الأكاديمي مع قصص غلب على معظمها الفكر الشعري!
وكان موقفها من الأشكال الشعرية موقفًا متعايشًا مع كل الأشكال رغم غياب قصيدة التفعيلة فحضور قصيدة النثر بقوة يدل على هذا الموقف !
تحاشت خوندنة من إكثار أحكام القيمة مثال على ذلك في رواية ممرات الريح ثمّة بؤرة (التأبير) في الخلاف بين بدرية وأمها ما سرّ العلاقة المتوترة بينهما ؟!
هل لتصرفات بدرية الطارئة على المجتمع السعودي؟
ولا بدّ من القول : حين قدمت نموذجين من الرواية من إبداع امرأتين في حين غابت الشاعرة المرأة السعودية عن الكتاب؟!
بمجمل القول : موزاييك حديقة عطرة تستدعي الفائض من الحواس لتنسّمها ؟!