إضاءة نقدية..
“روحي الحائرة.. أنشودةُ الألم والانتظار”
أيُّها الغائبُ الحاضرُ في دمي..
كيفَ تُهملُ قلبي وهوَ يصرخُ في صمتِ الذاكرةِ؟
كلماتي تذوبُ كالشمعةِ في ليالي الوحدةِ..
وجراحي تروي حكاياتٍ لمْ تُكتَبْ بعد..
أنا النهرُ الذي يحملُ دمعَ الكونِ بينَ ضلوعي..
والشمسُ التي لمْ تشرقْ في سماءِ أحلامي..
يطيرُ قلبي كعصفورٍ جريحٍ..
يحتضنُ الألمَ ويبحثُ عنْ فرعٍ يُغنّي عليهِ..
أيُّها الحُبُّ.. لماذا تتركُ الوردةَ تنزفُ في عتمةِ الشتاءِ؟
أنا الظمأُ الذي يبحثُ عنْ نبعٍ في صحراءِ الغيابِ..
والمدينةُ التي تنتظرُ ضوءَكَ كي لا تنامَ بينَ أنقاضِ الذكرياتِ..
نارُ الحنينِ تشتعلُ فيّ..
وأنا أحترقُ كلَّ ليلةٍ..
مثلَ قصيدةٍ حزينةٍ تُكتبُ على جدرانِ الليلِ..
أنت النجاةُ.. فهلْ تعودُ كالفرجِ بعدَ العاصفةِ؟
أمشي على شظايا الأمسِ..
وأبحثُ عن يدٍ تمسحُ جراحَ السنينَ..
عنْ حُبٍّ يُعيدُ إليَّ الربيعَ..
ويُحيي ما قتلَهُ الزمنُ فيّ..
أنا المرأةُ التي صارتْ قصيدةً..
والشاعرةُ التي صارتْ دمعاً..
فهلْ تسمعُ أنينَ الروحِ..
قبلَ أنْ تذوبَ كالثلجِ بينَ أياديكَ؟
مريم حسين أبو زيد
4 أغسطس
تُعد قصيدة “روحي الحائرة” للشاعرة مريم حسين أبو زيد لوحةً فنيةً غنيةً بالأحاسيس، تجسّد حالةً عميقةً من الشوق والألم والانتظار. تتناول القصيدة موضوع الغياب والهجر من منظور نفسي وشعوري، حيث يتحول الغائب من مجرد شخص إلى كيانٍ حاضراً في الوجدان، يبعث الأمل والألم في آن واحد. من خلال لغةٍ شاعريةٍ غنية بالصور والتشابيه، تستكشف الشاعرةُ العلاقة بين الذات المتألمة والآخر الغائب، وتعبّر عن حنينٍ لا ينطفئ، وأملٍ بلقاءٍ قد يعيد للحياة رونقها المفقود. هذه القصيدة ليست مجرد شكوى عابرة، بل هي حوارٌ داخليٌ مع النفس والقدر، يكشف عن عمق التجربة الإنسانية في مواجهة الفراق.
“روحي الحائرة”: هذه العبارة هي محور العنوان، فهي تقدم صورة واضحة ومباشرة عن حالة الشاعرة. كلمة “روحي” تشير إلى عمق التجربة الإنسانية، فهي ليست مجرد مشاعر عابرة، بل هي حالة وجودية شاملة. أما كلمة “الحائرة” فتعكس حالة من الضياع والتشتت وعدم الاستقرار، مما يوحي بوجود صراع داخلي أو بحث عن معنى أو وجهة.
“أنشودةُ الألم والانتظار”:
هذا الجزء من العنوان يضيف بُعدًا شعريًا وموسيقيًا، فكلمة “أنشودة” تعني ترنيمة أو غناء، وهذا يحول الألم والانتظار من مجرد مشاعر سلبية إلى تعبير فني عميق ومُغنّى. وكأن الشاعرة تحوّل معاناتها إلى عمل فني يُسمَع ويُحسّ. إنها لا تخفي ألمها، بل تُظهره كجزء من هويتها، وتغنّيه بصوت مسموع. أما كلمة “الألم” و “الانتظار” فهما حالتان متلازمتان في هذا السياق؛ فالألم ناتج عن غياب الحبيب، والانتظار هو الحالة المستمرة التي تزيد من حدة هذا الألم.
رحلة الألم في متاهات الروح
تبدأ القصيدة بخطاب مباشر ومؤلم: “أيُّها الغائبُ الحاضرُ في دمي”. هذا التقابل يضعنا فورًا في قلب المعاناة، فالحبيب غائبٌ جسدًا لكنه حاضرٌ في الوجدان، مما يجعل ألم الفراق مضاعفًا. تتساءل الكاتبة عن إهمال القلب الذي “يصرخُ في صمتِ الذاكرةِ”، وهو تعبير يحمل في طياته عنف الصمت وشدة الوجع غير المسموع.
تتوالى الصور الاستعارية لترسم عمق هذا الوجع. فكلماتها “تذوبُ كالشمعةِ” في ليالي الوحدة، وهي صورة بصرية مُحكمة تُظهر استنزاف الذات وتلاشيها ببطء. ثم تنتقل إلى صورة أخرى أعمق: “جراحي تروي حكاياتٍ لمْ تُكتَبْ بعد”. هنا، تُصبح الجراح نفسها راوية، وهي حكايات لم تُكتب لأنها أعمق من أن تُختزل في كلمات، وهي حكايات الألم المكتوم.
صور فنية تُجسد المعاناة
تعتمد الكاتبة على خلق صور متقابلة لتعزيز الحالة الشعورية. فهي النهر الذي يحمل دموع الكون، تعبيرٌ عن الشعور بالثقل والعجز. وفي المقابل، هي الشمس التي لم تشرق، مما يرمز إلى غياب الأمل والبهجة. هذا التناقض بين العطاء (النهر) والغياب (الشمس) يُبرز مدى التمزق الداخلي الذي تعيشه.
صورة “عصفورٍ جريحٍ” تُجسد قلباً مثقلاً بالحزن، يبحث عن ملاذ آمن، عن “فرعٍ يُغنّي عليهِ”، وهو البحث عن الأمل الضائع أو لحظة فرح تُعيد إليه الحياة. تتكرر صورة الشتاء والظلام كرمز للغياب والألم، بينما يُصبح الحبيب هو النبع والضوء، وهو ما يزيد من الشعور بالعطش والانتظار.
أنين القصيدة وتلاشي الذات
تتجسد القصيدة في النهاية ككائن حيّ، فـ”نارُ الحنينِ تشتعلُ فيّ”، والكاتبة “تحترقُ كلَّ ليلةٍ”. هنا، يصبح الحنين نارًا تأكل الروح، وتحولها إلى قصيدة حزينة تُكتب على جدران الليل، وكأنها تُعلن عن ألمها للعالم بأسره، لكن في صمت.
تصل الكاتبة إلى ذروة التلاشي الوجودي في المقطع الأخير: “أنا المرأةُ التي صارتْ قصيدةً.. والشاعرةُ التي صارتْ دمعاً”. هذا التحول هو تتويجٌ لكل ما سبق من ألم؛ فالذات لم تعد سوى تعبير مجازي عن الألم نفسه. القصيدة هي هي، والدمع هو هي. هذا التماهي الكامل بين الذات والوجع هو ما يجعل القصيدة مؤثرة بهذا العمق.
في النهاية، تُلقي الكاتبة سؤالًا وجوديًا لا يُجاب عليه: “فهلْ تسمعُ أنينَ الروحِ.. قبلَ أنْ تذوبَ كالثلجِ بينَ أياديكَ؟” هذا التساؤل ليس مجرد طلب، بل هو استجداءٌ يائسٌ للحبيب ليعود قبل فوات الأوان، قبل أن تتلاشى الروح وتتبخر كالثلج.
الأفكار الرئيسية
• الألم والانتظار: تدور القصيدة حول المعاناة العميقة التي يسببها الغياب، حيث تعيش الشاعرة حالة من الانتظار المستمر لشخص عزيز، مما يجعلها تشعر بالضياع والوحدة.
• عذوبة الذكريات ومرارتها: رغم أن الذكريات هي كل ما تبقى من الغائب، إلا أنها تسبب ألمًا كبيرًا وتزيد من حيرة الشاعرة، فهي تذوب في ليالي الوحدة وتتجسد في شكل جروح لا تلتئم.
• الشعور بالضياع والحيرة: تعبر القصيدة عن روح حائرة تبحث عن النجاة والراحة، لكنها تجد نفسها محاصرة بين ألم الماضي ومرارة الحاضر، وتتمنى عودة من تحب لتستعيد الأمل والحياة.
• الحب كمعجزة ونجاة: تُظهر الشاعرة أن الحب هو الأمل الوحيد الذي يمكن أن ينقذها من هذا العذاب، وتراه كـ”الفرج بعد العاصفة” الذي يعيد إليها الربيع ويُحيي ما مات بداخلها.
الصور الشعرية والرموز والدلالات
استخدمت الشاعرة صورًا ورموزًا غنية لتعبر عن حالتها النفسية:
• ”كلماتي تذوبُ كالشمعةِ”: صورة بصرية تعبر عن تلاشي الكلمات وفقدان قدرة الشاعرة على التعبير، مما يعكس حالة الضعف والوهن.
• ”أنا النهرُ الذي يحملُ دمعَ الكونِ”: رمزية تضخم حجم الحزن، وتجعل الشاعرة ليست فقط حزينة لنفسها، بل حاملة لحزن الكون كله.
• ”الشمسُ التي لمْ تشرقْ”: رمز للأمل المفقود والسعادة التي لم تأتِ بعد، مما يعمق إحساس اليأس.
• ”عصفورٍ جريحٍ”: صورة للعجز والألم، حيث يُرمز للقلب بهذا العصفور الذي فقد قدرته على التحليق والسعادة.
• ”الوردةَ تنزفُ في عتمةِ الشتاءِ”: استعارة للحب الذي يعاني في ظروف قاسية، حيث يرمز الورد للحب والشتاء للصعاب والغياب.
• ”أنا الظمأُ الذي يبحثُ عنْ نبعٍ”: تشبيه يجسد الشوق والحاجة الملحة للحب والوصل.
المشاعر والأحاسيس والعواطف
• الألم والحسرة: هذا الشعور هو المحرك الرئيسي للقصيدة، ويتجلى في كل بيت تقريبًا.
• الشوق والحنين: تتوق الشاعرة بشدة لعودة من تحب، وهذا الشوق هو وقود “نار الحنين” التي تحرقها.
• الضعف والانكسار: تعبر عن إحساسها بالهشاشة، وأنها “تذوب كالشمعة” و “كالثلج” في نهاية المطاف.
• الأمل المترقب: رغم كل الألم، هناك بصيص من الأمل بأن يعود الحبيب ويحيي ما مات بداخلها، وهذا ما يجعلها تواصل الانتظار.
• الحيرة والضياع: شعور بأنها “روح حائرة” لا تجد مكانها أو استقرارها.
الغياب والأمل: رحلة الروح الحائرة
في عالم المشاعر، الغائب ليس دائمًا شخصًا بعينه، بل قد يكون شعورًا بالسلام المفقود، أو أملًا لم يتحقق، أو حتى نسخة من أنفسنا لم نعد نتعرف عليها. إنه حالة من الفقد تتجاوز الأشخاص لتلامس أعمق أركان الروح.
والقوة التي تدفع الروح للاستمرار في الانتظار رغم الألم هي قوة الأمل نفسه. الأمل بأن العودة ممكنة، وأن الألم لن يكون أبديًا، وأن هناك فرعًا يمكن للعصفور الجريح أن يغني عليه مجددًا. إنها الرغبة في النجاة من مرارة الحاضر، وتلك القوة هي التي تمنحنا القدرة على تجاوز الصعاب.
الذاكرة والأثر: حكايات لم تُكتب بعد
الكلمات تذوب لأنها قد لا تكون كافية للتعبير عن عمق الألم أو حجم الشوق. الذاكرة تروي حكايات لم تُكتب لأنها تحمل في طياتها تفاصيل ومشاعر تتجاوز الكلمات المكتوبة. إنها ترسم صورًا في الذهن، وتُعيد إحياء لحظات عاشتها الروح.
ألم الذاكرة قد يكون أقوى من ألم الواقع لأنه يعيد إنتاج الماضي بكل تفاصيله المؤلمة. الألم الحقيقي يأتي من إعادة تفعيل الجرح القديم، بينما الألم في الواقع قد يكون حادًا، لكنه محدود بزمانه. ألم الذاكرة يظل يطاردنا، يوقظنا من نومنا، ويجعلنا نعيش الفقد مرة بعد مرة.
الهوية والفقد: التحول في بوتقة الألم
كما تقول القصيدة “أنا المرأةُ التي صارتْ قصيدةً.. والشاعرةُ التي صارتْ دمعاً”، فإن الألم والانتظار يغيراننا إلى درجة أننا نصبح كيانًا آخر. إنها عملية تحوّل عميقة؛ فالألم يصقلنا ويجعلنا أكثر عمقًا وإدراكًا. الفقد ليس نهاية، بل بداية لولادة جديدة.
نصبح قصيدة لأننا نتحول إلى عمل فني يحمل حزننا وجمالنا في آن واحد. نصبح دمعًا لأن الدمع هو التعبير الأصدق عن كل ما لا تستطيع الكلمات أن تقوله. هذه التحولات تجعلنا نرى أنفسنا بمنظور مختلف، وتجبرنا على إعادة تعريف هويتنا في ظل غياب من نحب.
الحب والألم: ثمن أم قيمة؟
الحب غالبًا ما يكون مصحوبًا بالألم، لأنه يجعلك عرضة للضعف والفقد. لكن الألم ليس مجرد ثمن ندفعُه. إنه جزء أساسي من تجربة الحب. الألم يذكرنا بمدى أهمية ما فقدناه، ويجعلنا نقدر قيمة اللحظات السعيدة.
قد يكون للألم قيمة في حد ذاته. إنه يمنحنا العمق، ويجعلنا أكثر إنسانية، ويدفعنا للنمو. من خلال الألم، نتعلم الصبر، والرحمة، والقوة. إنه حافز يدفعنا للبحث عن النجاة والراحة، ولإعادة اكتشاف أنفسنا.
العودة والنجاة: التصالح مع الغياب
النجاة ليست دائمًا في عودة الغائب. أحيانًا تكون النجاة الحقيقية في التصالح مع الغياب وإيجاد السلام الداخلي. الاعتماد على عودة شخص من الخارج قد يجعلنا أسرى للأمل الزائف، ويمنعنا من المضي قدمًا في حياتنا.
النجاة الحقيقية تكمن في القدرة على الشفاء من الجراح، وبناء حياة جديدة، وإيجاد السعادة في داخلنا. هذا لا يعني أننا ننسى الغائب، بل يعني أننا نجد طريقة للعيش بسلام مع غيابه، ونحول ألم الفقد إلى قوة تدفعنا نحو الأمام.
• ”قصيدةٍ حزينةٍ تُكتبُ على جدرانِ الليلِ”: صورة مجازية تعبر عن تحوّل الشاعرة نفسها إلى عمل فني من الحزن، وأن معاناتها باتت جزءًا من كيانها تُكتب وتتجدد كل ليلة.
• ”أمشي على شظايا الأمسِ”: استعارة حسية تعبر عن الألم الذي يسببه التفكير في الماضي والذكريات المؤلمة.
التقابل المدهش: الحياة والموت في لحظة واحدة
يجمع السؤال بين مفهومين مقابلين بشكل مذهل:
• ”أنين الروح”: هذا هو صوت الحياة المتبقية، وهو أعمق وأصدق تعبير عن وجود الشاعرة. الأنين هو صرخة الضعف والأمل في آن واحد، وهو يمثل ما تبقى من قوة وروح.
• ”تذوبَ كالثلجِ”: هذا هو رمز الفناء والموت. الثلج يذوب ويختفي، تاركًا وراءه مجرد ماء بارد لا شكل له. هذا الذوبان ليس نهاية مفاجئة، بل هو تلاشٍ بطيء ومؤلم.
هذا التقابل هو جوهر السؤال: هل يمكنك أن تسمع صوت وجودي الأخير، قبل أن أفنى وأختفي تمامًا؟ إنه نداء يضع مصير الشاعرة بين يدي الغائب، ويجعل من لقائهما المحتمل إما قيامةً أو فناءً.
القسوة في الصورة الشعرية
الصورة التي رسمتها الشاعرة، “تذوبَ كالثلجِ بينَ أياديكَ”، تحمل قسوة غير متوقعة. إنها لا تطلب منه أن ينقذها من الموت، بل تضع نهاية وجودها على راحتيه مباشرةً. هذا يعني أن الغائب ليس مجرد سبب للغياب، بل هو من يمتلك القدرة على إحياء روحها أو تدميرها بشكل نهائي.
هذه الصورة تجعل من الغائب إلهًا صغيرًا يمتلك سلطة الحياة والموت. إنها ليست استغاثة تقليدية، بل هي تحدٍ وجودي: “أنا الآن في يدي مصيرك، فهل ستختار أن تسمع وتنقذ، أم ستنظر بينما أختفي؟”
سؤال لا يتطلب إجابة لفظية
السؤال ليس مجرد طلب إجابة بـ”نعم” أو “لا”، بل هو دعوة للإنصات بكيان الغائب كله. “أنين الروح” لا يُسمع بالأذن، بل بالقلب. لذلك، فإن هذا السؤال هو في جوهره: “هل أنت قادر على الشعور بي؟ هل ما زال هناك شيء بيننا يستحق أن يُحيى؟”.
هذا السؤال، بتكوينه المدهش، يجعل من القصيدة بأكملها نداءً أخيرًا للإنقاذ من العدم. إنها تتوسل للحب أن يعود قبل أن يتحول الألم إلى لا شيء، قبل أن تذوب الشاعرة وتصبح مجرد ذكرى باهتة.
الإيقاع الداخلي والجمال الصوتي
على الرغم من كونها قصيدة نثرية لا تلتزم بوزن وقافية محددين، إلا أن القصيدة تمتلك إيقاعًا موسيقيًا داخليًا يمنحها جمالًا خاصًا. يتجلى هذا الإيقاع في عدة جوانب:
• التكرار: تكرار الضمير “أنا” في بداية عدة جمل (“أنا النهرُ…”، “أنا الظمأُ…”، “أنا المرأةُ…”) يمنح النص إيقاعًا متصاعدًا ويؤكد على هوية الشاعرة المرتبطة بمعاناتها.
• تقارب نهايات الجمل: بعض الجمل تنتهي بإيقاع صوتي متقارب، مثل “تذوبُ كالشمعةِ” و”تروي حكاياتٍ”، مما يخلق نوعًا من التوازن الصوتي.
• التجانس الصوتي: استخدام حروف تحمل رنينًا خاصًا مثل “الحاء” في “الحائرة” و”الحاضر” و”الحنين” يعطي القصيدة نبرة حزينة ومؤلمة تتناغم مع موضوعها.
ختامًا
تختتم الشاعرة قصيدتها بسؤالٍ مؤلمٍ ومُفعمٍ بالرجاء، ليكون بمثابة صرخةٍ أخيرةٍ للغائب. في هذه الخاتمة، تصل مشاعر الشاعرة إلى ذروتها، حيث تتحول ذاتها إلى كيانٍ هشٍ مهددٍ بالذوبان والانتهاء، مما يبرز حالة الهشاشة النفسية التي تسببها الوحدة والفراق. إن صورة المرأة التي صارت قصيدةً والشاعرة التي صارت دمعاً تلخص ببراعة رحلة الألم التي عاشتها، وتُظهر كيف أن الفن والإبداع نفسه قد تحوّل إلى أداة للتعبير عن الحزن العميق. القصيدة بمجملها هي دعوةٌ للحب كي يعود، وللغائب كي يدرك حجم الألم الذي خلفه، لتكون بذلك أنشودةً خالدةً في سجلات الشعر العربي المعاصر عن الألم والأمل.