الزمن الجميل… هل كان جميلاً حقًا؟ (16)
الكتب الممنوعة…من قرار الحظر إلى صالونات القراءة
(حين تُحاصر الكلمة… تنفجر في الظلال)
في “الزمن الجميل”، لم يكن الكتاب يُقاس بجودته أو فكرته، بل بـ “خطورته” المحتملة، أي: هل يقترب من السياسة؟ هل يشكك في “الثوابت”؟ هل يُلمّح إلى “الرموز”؟ هل يكتب مؤلفه من خارج السرب؟
وإذا توفرت واحدة من هذه العلل، صدَر قرار المنع.
– منع الدخول… وتسهيل التهريب!
كانت المعارض الدولية للكتاب مناسبة للرقابة، فتصدر القوائم السوداء سنويًا،
وتُوجّه التعليمات إلى الجمارك: “لا تدخل هذه العناوين.”
لكن… كانت هناك مكتبات “متفاهمة”، تعرف من أين تُشترى الكتب، ومن تُرشي،
وبأي عبارة تمرّ الصناديق المغلقة دون تفتيش. وهكذا، كانت الكتب الممنوعة تدخل إلى البلاد، لا عن طريق الجمارك… بل عن طريق الجيوب.
– من المكتبة إلى يد القارئ: النار تنتشر:
بمجرد وصول النسخ الأولى، تبدأ العدوى: يتصل المثقفون ببعضهم، تُخبّأ الكتب تحت الطاولة، وتُستعار بلهفة، وتُصوّر على ماكينات قديمة بصوت طنين مرتجف،
ثم تُناقَش في جلسات مغلقة:
“-هل قرأت كتاب كذا؟”
“-فيه فصل مذهل عن كذا…”
“-الكاتب يلمّح إلى كذا…”
وهكذا، أصبح الممنوع أكثر حضورًا من المسموح، وأكثر تأثيرًا من كل كتب المناهج.
– بعض العناوين التي أثارت الرعب:
ليس بالضرورة أن يكون الكتاب ثوريًا مباشرًا. بل يكفي أن يحمل عنوانًا مثل:
“نقد العقل العربي”، “الحريم السياسي”، “الإسلام بين الشرق والغرب”، “محاكمة فكر“.
أو رواية تتحدث عن ثورة، أو عن نبي، أو عن مدينة تشبه المدن المحلية…
حتى يتحول إلى كائن غير مرغوب به رسميًا، ومحبوب جدًا شعبيًا.
– المفارقة: الدولة نفسها كانت تقرأ الممنوع!
كانت بعض النسخ تصل إلى مسؤولين كبار، ويُطلب من “جهات مختصة”
أن تقرأها وتكتب ملخصًا، وتعد تقريرًا بعنوان:
“أثر الكتاب على الرأي العام في حال تسربه“.
وهكذا،
يصبح الكتاب الممنوع مقروءًا مرتين:
مرة سرًا من قبل المثقفين،
ومرة خوفًا من قبل الأمن الثقافي.
– خاتمة:
في “الزمن الجميل”، كانت الكتب تُمنع بحبر أحمر، وتُقرأ بحبر العيون.
وكانت الرقابة تظن أنها تُسيطر، لكنها لم تكن تعلم أن الأفكار لا تُفتش على الحدود.
فالكلمة إذا منعت…صارت نارًا.
وإذا دخلت خلسة…صارت ضوءًا.
