لم أحظَ بطفولةٍ مثل باقي الأطفال. أمي كانت خياطةً بائسةً ترقِّع مِزق الحياة فينا، وأبي فلاحٌ بسيط يزرعُ في ثقوبِ الأرض صبرًا. تنظرُ إليهِ ثيابهُ تطلب الرَّحمة، حذاؤهُ يلفظُ أنفاسَه الأخيرة، ومع هذا فهو لا يتأفَّف.
لم تكنْ لي أحلام، فالأحلام تعني أنَّ أمِّي وأبي سينامان اللَّيلة بلا خبزٍ وعشاء، ولم أكنْ سيئًا أيضًا، رغم قذارتي بالوعي والفِكر أكثر من الوحلِ وبقعُ الدَّمِ من عراكٍ قديمٍ فوق ملابسي… كنتُ على يقينٍ بأنَّني أستحقُ الحياة وشيئًا مِنَ الكرامةِ. لستُ خيطًا زائدًا في تطريزاتِ أمِّي!!
وحتَّى ذلك المساء كبرتُ… وعلَّقتُ صورةً لأمي وأبي فوق المرآة كشاهدينِ على فراغي البهيِّ، رأيتُ حينها وجهي في نسختِه المزيَّفةِ وملامحهِ الكوميدية، لكن بالتَّأكيدِ لستُ أنا في طفولتي!. جدارٌ زجاجيٌّ هشٌّ بيننا وحلمٌ يكبرُ كُلَّما ابتسمت. حدّقت في عينيّ طويلاً وكأنّني أعيدُ إحياء ما مات منِّي. ضحكت عيناي فسخِرت صورتي منِّي وغمزتني.
لا أعلمْ من مِنَّا حطَّم زجاج المرآةِ أولاً وقفز عن سورِ الحقيقةِ، لكنَّني رأيتني أغادرُ موتي الأول شاهدًا ولادة جديدة لي من الشَّرخِ نفسه.