اضحينا في زمن يهدد فيه الذكاء الصناعي كثيراً من المهن والمواهب بالانقراض و ربما يأتي اليوم الذي تصبح فيه حتى كتاباتنا هذه في (خبر كان) لذلك ربما حان الوقت أن نفكر بطريقة مختلفة و أن نكتب بأفكار غير تقليدية عن قضايانا الاجتماعية و خصوصاً قضية الزواج التي لم نعد نراها كما كانت عليه تشاركية بشكل اكبر ….
تخيلوا معي (فقط تخيلوا) لو أن الإنسان كان يتكاثر بطريقة مختلفة تماماً عما هي عليه الان .. ليس بالعلاقة الزوجية المعروفة بل عن طريق (الانشطار) أي أن يتخلى أحدنا بكامل إرادته عن نصفه المادي والروحي لينشأ كائن جديد يحمل صفاته و ذكرياته…
فهل كنا سنجرؤ على عملية الانشطار؟؟؟
هل كنا سنقبل أن نترك نصفنا يعيش في جسد آخر؟؟؟
أم كنا سنفضل البقاء مكتملين بأنفسنا على حساب استمرار الحياة؟؟؟
الفكرة تبدو خيالية لكنها تفتح باباً واسعاً للتأمل في حكمة الخالق حين جعل التكاثر الإنساني قائماً على المتعة والمشاركة لا على الألم والفناء .. جعل الله استمرار النوع البشري نابعاً من علاقة إنسانية راقية فيها العاطفة والأنس والحميمية، لا من انقسام موجع يفقد الإنسان نصفه …
دعنا نذهب أبعد من ذلك في الخيال لنفترض أن هذا الزواج (الانشطاري) موجود فعلاً وهو زواج طبيعي بكل تفاصيله التي نعشها و نعشقها .. فيه حب و مودة و علاقة جسدية لكن الإنجاب لا يتم إلا إذا قرر أحد الزوجين الانشطار فعلاً أي أن يتخلى عن نصفه ليولد طفل جديد
تنشطر الزوجة لانتاج البنت و ينشطر الزوج لانتاج الولد
فهل يا ترى سنرى أزواجاً يختارون (الانشطار) من أجل امتدادهم في الدنيا؟؟؟
أم سيفضلون البقاء كما هم، مكتملين، ويكتفون بالحب دون إنجاب؟؟؟
إنه اختبار قاسٍ للأنانية الإنسانية، و امتحان للحب الحقيقي وقدرة الإنسان على العطاء .. وربما في المقابل سنرى من يرفض الفكرة تماماً مفضلاً متعة الوجود المشترك على ألم الفقد والانشطار
وهنا تتجلى حكمة الخالق حين جعل طريق الخلق تجربة من أجمل ما في الحياة طريقاً يبدأ باللذة لينتهي بالحياة الجديدة .. لم يخلق الله الإنسان قابلاً (للانشطار) بل أراد له أن يبقى كاملاً في ذاته، قادراً على مشاركة هذا الكمال مع آخر من خلال الحب، لا من خلال الفقد.
إن الزواج الحقيقي في جوهره ليس انشطاراً مؤلماً بل اتحاداً مبهجاً، فيه يمتزج نصفان ليكونا حياة جديدة دون أن يفقد أحدهما ذاته…
اذا كل زواج ناجح هو (انشطار رمزي) عن الأنا والحياة القديمة .. فكل طرف يتخلى عن جزء من عاداته واستقلاله ليصنع مع شريكه حياة جديدة فيها بعض من هذا وشيء من ذاك.
لكن ما نراه اليوم هو العكس كثيرون يريدون زواجاً بلا (انشطار )حباً بلا تضحية، ومشاركة بلا مسؤولية… يريدون أن يبقوا كما هم، دون أن يتنازل أحد عن شيء من نفسه….
غير أن الحقيقة أن الزواج لا يكتمل إلا حين يتخلى كل طرف عن نصفه القديم طوعاً ليبني نصفاً أجمل مع شريكه.
التكاثر الإنساني، في معناه الأعمق، ليس مجرد إنجاب أطفال، بل هو إنجاب حياة أجمل ومعنى أوسع للوجود. والعطاء لا يكون ألماً حين يأتي من المحبة بل يصبح لذة كما جعلها الله كذلك… والزواج الناجح يحتاج لتنازلات من طرفيه ليستقيم وينتج اجيال سليمة
فما أبدعها من حكمة و ما أعمقها رسالة أن نتكاثر بالمودة لا بالانقسام .. أن نكمل بعضنا لا أن نتناقص .. أن نمنح نصفنا طوعاً، لا أن نفقده قسراً…
وفي النهاية إن أجمل أشكال التكاثر ليست تلك التي تكثر بها القبائل بل التي تُنجب أرواحاً أصفى وأجمل..
فالتنازل الطوعي للشريك بمحبة هو سر الأسر الراقية، والشعوب المعافاة، والأوطان التي تعرف معنى السلام.

محمد طلب
6/11/2025
mtalab437@gmail.com