هدى القرقني
جارتي (برجيت) سيدة جميلة وأنيقة ،شقتها مقابلة لشقتي ،كان لقاءنا الأول في المصعد ثم توالت اللقاءات بيننا حتى صرنا أصدقاء وليس فقط جارتان ، عندما كنت أسافر أترك لها مفاتيح الشقة حتى تهتم بنباتاتي وتسقيها في غيابي ، أحبت برجيت أكلنا الليبي وخاصة (الكسكسو وشربتنا الليبية )لم يكن لها أولاد ولا حيوانات أليفة فهي شديدة النظافة والاهتمام بأدق تفاصيل النظام والترتيب وأعتقد أن هذا هو السبب في أن لا يكون لها أطفال ، فهي من النوع الوسواس من كل شئ حتى في السلام بالايدي فأراها تتحاشى ذلك بوضع يديها خلف ظهرها عند لقاءها بأحد الجيران في الشارع….
مرض زوج برجيت ومكث فترة طويلة في المستشفى ،كنت ارسل لها حصتها من طعامنا كل يوم حتى توفي زوجها ولم أعد أراها حتى أني طرقت بابها عدة مرات لأعزيها ولم يكن هناك أحد …
في البريد وجدت بطاقة دعوة لحضور الجنازة
وجبة الغداء بعد مراسم الدفن ، يوم موعد الجنازة رأيتها من فتحة (العين السحريه)وهي تخرج من الشقة مع مجموعة من النسوة يبدوا انهن قريباتها ،يلبسن فساتين قصيرة سوداء ويضعن قباعات لها غطاء من التول الأسود يغطي نصف وجوههن وقد وضعن أحمر شفاة بلون قرمزي داكن وكأني أرى مشهد من فلم أمريكي رأيت فيه طقوس جنائزية ، فتحت الباب ببطء ووجدت كل الوجوه تتجه نحوي ،نظرت في عيني برجيت وجدتها جامدة ، كنت أريد أن اقترب منها وأحضنها وأبكي فقد حزنت لوفاة لزوجها وكنت حزينة أنا أيضًا فلم يمضي اسبوع على سماع خبر وفاة زوج أختي ،ولكن أومأت لي برأسها وكأنها لا تريد أن تفقد برستيجها أمام صديقاتها ،ألقيت عليهن التحية ودخلن للمصعد مخلفات رائحة عطرهن النفاذة ،لم أذهب الى الجنازة ولا للغداء ، وعند انتهائي من صلاة العشاء سمعت طرقًا خفيفًا على الباب ،فتحت الباب ولم تكن إلا هي وقد خلعت قبعتها ومسحت كل الزينة التي على وجهها وقد امتلأت عيناها بالدموع مدت لي يدها وجذبتني اليها وأنا في ذهول تام وانخرطت في نوبة بكاء شديد ،بكيت معها وشعرت كم كانت تحاول أن تكون متماسكة أمام الأخرين ولكنها أتت إلي لتتحرر من ذلك كله وتبدوا على طبيعتها حتى انها تخلت عن وسواسها وحضنتني وقد بللت دموعي كتفها ،
بعد أن هدأت نظرت إلي وقالت
أنا جائعة جداً
وأنا بدوري لم أنس حصتها من (الكسكسو) الذي أعددته ذلك اليوم
ايام في الغربة