محبوبة خليفة
تواصل الضغط على (المرود) ليزيد سواد الجفون فيبرز لون العيون الزرقاء،كانت قد طرَّت قطعة السواك* تحت لسانها حتى لانت فنضح منها اللون الشهي، ويحتار القلم في وصفه، هو أقرب للّون البرتقالي المختلط بالبني أو الأحمر الداكن حسب نوع السواك ومن أي شجرة وبلد جاء..تبتسم للمرآة لتتأكد من نظافة اللثة واصطباغها باللون المحبب وكذلك لون الشفة السفلى، بالطبع تصبغ شفة واحدة، هذه تقاليد استعماله ورثتها ونساء المدينة من جداتهن الأوائل
تقف لتطمئن على التحزيمة ،اختارت هذه العشية حرام حرير وردي بثوبٍ بنفس اللون وقد طُرِّزَت وروده الصغيرة بخيوط ذهبية، تحزمتْ بالحزام الدرناوي الأبيض ستُبقي طول الحرام* تحت الركبة بقليل ليظهر خلخال الذهب ، ترتديه لتُظهِرْ جمال ساقيها وليزيدها فخامة وليميِّزها عن النساء وليتيح لها مزيداً من الخُيلاء حينما تتهادى راقصة..تعطرت وتنسمت بروائح البخور التي تتصاعد من الكانون* الصغير وبمهارة مكتسبة ستتخطى المبخرة جيئةً وذهاباً فوق الهواء المضمخ بألف رائحة ورائحة فيتشربها الحرام والثوب وحتى محرمة الرأس ، ثم تختم بقطعة صغيرة من اللوبان تضعها بعناية في فمها لتكتمل الوجاهة
جلست بين السيدات بعد أن استقبلنها بما يليق بهذه الطلّة المحببة لهن ولها أيضاً
كم ترتفع هذه الأنا شاهقاً لديها ، وكم تعشق مايجري حين تحضر هكذا مناسبات
يرتفع إيقاع الدربوكة ويصدح الزمّار وكأنه يداعب زمارته بأنامله لأول مرة ، زمارة القصب الصغيرة المكونة من قصبتين قصيرتين يلفهما رباط جلدي ملون بلون أحمرٍ قانٍ وتخرج من فتحتيها قصبتين أصغر حجما مشقوقتين في منتصفهما ليخرج منهما هواء منغَّم بأنفاس العازف الذي ينفخ أوداجه ويدفع بالهواء من خلالهما لاعباً بأصابعه على الفوَّهات الأربعة على كل قصبة،فيصدح بنغمٍ عابراً لحدود الجمال تُصاحبه أصابع اللاعب على الدربوكة وهنا يحدث المزج الهائل بين الأصوات لا أحد يعرفه أو يتخيله ما لم يكن حضر يوماً عرساً يتبارى فيه الجمال بكل ألوانه.
تضغط على الجسد الراقص وحده بلا إرادتها ! تحاول تقييده حيث تجلس لكن بلا فائدة وها هي تندفع مع أول طلب من الحاضرات أن ترقص
تتعالى دقات الدربوكة والزمارة والراقصة التي تتهادى بين صفين من المصفقات يرددن مع المغني: اغّزيل ماشي دوب الدوب.. إن طلته عالحيين انتوب)*
تقف بين الحين والآخر أمام الفرقة فيفقد المؤدي صوابه ويرتفع الصوت لعنان السماء :حزامك ديريله عالعين…احويتة وخميسة وقرين)* وتستمر هي والفرقة بلا ملل ولا تعب حتى يستسلم أحدهم ويرفع قطعة صغيرة من الحجر يضعها أمامه معلناً بأنه لم يعد قادراً وقد ترفعها هي إن لم تعد قادرة على الإستمرار
قصة لمحبوبة خليفة
*اغزيل ماشي دوب الدوب: جميل يمشي الهوينا. وهي مطلع لأغنية شعبية
*السواك: يستعملنه النساء لتلوين الشفاه
*الحرام: قطعة من الزي الليبي
*الكانون:موقد فحم صغير
*اغزيل ماشي…..المعنى : يتغزل بامرأة جميلة يتمنى الاقتران بها
*حزامك ديريله….:وتعني المرأة التي تجيد الرقص ويخشى عليها من الحسد والعين
سعيدة جداً بهذا التشريف ،شكراً جزيلاً.
تحياتي والى المزيد من الابداع