د. عاطف الدرابسة
قلتُ لها
أُسافرُ وحدي
بعيداً عن ذاتي
جوازُ سفري أوراقُ شجرٍ عتيق
تفوحُ بقصائدِ الفرحِ
والحزن
وتفوحُ بشذى حبٍّ
كأنَّه الغروبْ
أُسافرُ وحيداً
أبحثُ عن الاتِّجاه : ولا أجدُ الاتِّجاه
أسكبُ خطواتي في الطَّريقِ
ولا أجدُ الطَّريق
أحملُ شعلةً
انطفأتْ مثلَ كسوفِ الشَّمسِ
أُحاولُ أن أنفخَ في النَّاي
لأُعيدَ لتلكَ الشُّعلةِ النَّارْ
أُسافرُ كالمرضِ في الجسد
أتجرَّعُ الحُبَّ
لأقوى على المسيرِ
تزدحمُ عينايَ بالصُّورِ
وكلُّ الصُّورِ عطشى
بلا ملامحَ
كأنَّ الرِّيحَ تُغطِّيها بالغُبارْ
يزدحمُ قلبي بالخفقاتْ
كأنَّها أنينُ جرسِ القطارِ
قبلَ أن يُعلِنَ عن موعدِ الرِّحلةِ
إلى الشمسِ بلحظاتْ
الآن أعبرُ مثلَ قوافلِ الحجِّ
حدودَ الصَّباح
أتأمَّلُ تفاصيلَ وجهي
في قطراتِ النَّدى
أو في مرايا التُّرابْ
الآن أجتازُ ذاتي
أبحثُ عن زمنٍ ممحوٍّ من ذاكرتي
وأبحثُ عن مكانٍ
يعكسُ ظلَّهم على جدارٍ
يحملُ صورهم
أسألُ : هل هم مَن ماتوا أم أنا الميِّتُ
بلا شاهدٍ
ولا قبرٍ
كأنِّي شيءٌ لفظتْهُ القبورْ
الآن أجتازُ ذاتي
لأستعيدَ أصواتَهم
لأستعيدَ قصائدي
التي كتبتُها بأقلام الرَّصاصِ
أو بأقلامِ الحطبْ
لعلَّني أُعيدُ إلى ذاتي النَّارْ
تشنَّجتْ ذاكرتي
لقد نسيتُ القصيدةَ الأُولى
ونسيتُ الصَّفحةَ الأولى
كلُّ الصُّورِ تتلاشى من ذاكرتي
وذاكرةِ الوقتْ
غيرَ أنَّ صوتاً بعيداً
يخرجُ من ركامِ الذَّاتِ يُناديني
لأعود
الصَّوتُ يجِفُّ شيئاً فشيئاً
يذوبُ في الهواءْ
يرتجفُ كأنَّه مصابٌ بحمَّى الشِّتاءْ
أشعرُ بالبردِ
بحمَّى الصَّوتِ
يسريانِ في ذاكرتي
فتلبسُني حمَّى الحُبِّ القديمْ
فأصيرُ أهذي
ثمَّ أغفو
على رصيفِ الطَّريقِ
وأنامْ