اسمي زيزفون
“الماضي هو الملاذ الآمن يا زيزفون، هو البقعة الوحيدة الواضحة بالنسبة إلى عقول النّاس و قلوبهم المتعبة، حَتَّى الموت صار له معنى آخر لديهم، الموت الذي يكون ثمن منع الموت عنهم في بلاد أفرغت من كل شيء ما عدا شبحه المخيف”
تاءٌ من سوريا الجريحة هكذا تحدّثت زيزفون في هذا العمل الصادر عن منشورات الربيع، تلقي بنا سوسن في نص مفخخ و تفتحه بحديث الموت وعن غيبوبتها في بيت الأخ، إنّ هذه الرواية هي سردٌ بصوت نسائي لا يتوقف عن استحضار الحرب و الجسد و الموت و الفرح و العيش في قرية مقص قرية على طريق اللاذقية حيثُ تعيش جهيدة أو زيزفون مع عائلة بسيطة سرعان ما تتلاشى مع الذكريات و تعصف بنا داخل مآلات و تذاكر من الماضي عن الإخوة الأعداء و أخوها شعبان البرجوازي، عن العيش مع سعيد الذي قُتل غدرًا وحياة الكاهن و ذوق الحب لأول مرّة عن الأخ منير و رجل البراري الذي يقضي وقته مع الأفاعي و مصارعة الديوك، عن المخابرات و الدسائس الموجودة في شخصية أديب و عن تجار الديّن و الشيخ عباس و الفتاوى والنبابيت في سوريّا أولئك الشيوخ الذي يحللّون ما يشاؤوا و يحرمون و يحاكمون عباد الله الضعفاء، عن خطيئة الجسد و انتحار عواطف و عن كبرياء الأم و شيخوخة الأب، إنّ شخوص هذه الرواية تستحضر واقع سوريا المدجج بالحروب الطائفيه و جهل التنظيمات الطلابية و موت الإنسان دون أن ينتظر شيئاً بعدما كان يحلم بالحب و السفر و فقط.
كُتبت هذه الرواية بلغة وصفيّة و شاعريّة لتاء تعيش في واقع موبوء داخل قرية مملوءة بالأوجاع و الانفجارات و عن ظل الأنوثة التي تعيش أوجاع الحرب و الهجران و الفقر و عن أحوال العرب في زمن الفتوات حيثُ تقول سوسن على لسان سعيد المثّقف المنعزل:
“لكن الفقر يا زيزفون جعل من الناس سهل قيادهم، الفقر و الجهل و التخويف من الآخر”
تربط لنا الروائية في هذا السرد الذي هو عبارة عن اعترافات تم حكيّها بلغة باذخة بتأثيث شامي بالغ الدقة، حيثُ ترسم لنا زيزفون واقع سوريا المحتوم بتجارة الجسد مقابل الوظيفة، بالاغتيالات و المجازر و بتجار الدين وتوابعهم و صرخة التاء داخل الخراب الموجع، إنها رواية تنتصر للكادحين و البسطاء و الذي عاشوا الشقاء حافيًا لوحده، روايةٌ كتبت أحداثها بصوت زيزفون العليم ،و تمنيت أن تتفرغ الروائيّة في سرد الرواية من وجهة نظر الآخرين لوحدهم و تتيح لهم حريةً أكثر، و الشيء الذي أذهلني في هذه الرواية هو تشابك شخوص السرد داخل دفاتر الاعترافات عن وجع سوريا في الحرب و عن موت الهوية في المدن و الماضي و الحاضر الذي عاشت بينه جهيدة و زيزفون في صراع لا ينتهي في محاولة العيش بسلام داخل وطن تنهشه النوائب الطائفية هنا وهناك.
اسمي زيزفون
منشورات الربيع.
عدد الصفحات : 294.
الكاتبة :سوسن جميل حسن.