حسن خوندي
عندما وصل صديقي الى شبعا قرأت على وجهه تعابير غير واضحة تتراوح بين الدهشة والاستغراب الى حد الصدمة
بادرني بالقول الآن عرفت ما معنى (آخر ما عمّر الله ،بس بيستاهل المشوار)
فقلت له شبعا هي فعلا كذلك انجزها الله بعدما انهى آخر ضربة ريشة في خلقه للكون . لذلك اعتنى بها عناية خاصة وكان لديه متسع من الوقت لزخرفتها فآلت الى ما هي عليه من جمال في الطبيعة ووفرة في المياه
لم تتغير معالم شبعا القديمة فما زالت جدران البيوت تسند بعضها البعض وما زالت أدراجها وطرقاتها الضيقة تمر عبر أسطح الجيران .ولم تزل هذه الزاوية المنسية على اطراف الوطن مجتَمعا متآلفا بين عشائر هاشم وعساف وزليخة وبرغش واخوانهم المسيحيين على قلّتهم المتبقية
وقد أسبغ على اهلها من الصفات التي تتناسب وصخورها الرصاصية الصلبة وثلجها النقي وهوائها الصيفي اللطيف المتسرب من اوديتها السحيقة المتعرجة المفعمة برائحة الجوز والشيح والسنديان من “جوزات النص حتى اراضي جنعم” فصَحّ فيها القول
من كل وادي…..عطر
من المشاهد التي ما زالت تراود ذاكرتي مجموعات الشباب المراهق المتجمهرة – بعد عناء يوم طويل من العمل الشاق- على الأسطح المقابلة لطريق نبع المغارة، يراقبون الفتيات تتغندرن وهن يحملن جرارهن بقامات مستقيمة منتصبة دون تحريك رؤوسهن ما خلا العينين ، ترمقن بخفة ودلال مصدر صوت يصدح : ……يلّلي ملّيتي من راس النبعة مين الملّالك يا نور عيونا
وفي الامسيات المقمرة تتراصف الاكتاف وتتشابك الايادي من رجال ونسوة في حلقة الدبكة المستديرة التي تتوسع حتى تضيق بها الساحات على نغمات نافخ المجوِز الذي يدور على الدبيكة بقصد بث القوة في خبطات اقدامهم ، و”الماسِك عالأول” يتفنن بنقلات قدميه ويتغاوى بحركات كتفيه متلقفاً بين الحين والأخر نظرات الصبايا الخجولات
قد تكون شبعا ضيعة كباقي ضيع لبنان لكن أهلها طوّعوا طبيعتها القاسية بكل صبر وأناة……فلاحوها ينكشون في الصخر وينحتوها سنابل قمح ، رعيانها يسرحون بقطعانهم الى تلال خلف تلال في جرود جبل الشيخ، أما المكارية (المهرِّبون) الذين يسرون ببغالهم ليلا ،بوصلتهم لقمة مبلولة بالعرق ومغمسة بالخوف والقلق
بوركت شبعا بأهلها ومزارعها ومائها وجبالها وأشجارها
****
ينشد الوالد عبدالله خوندي بصوته الجبلي الجليل الجميل في احدى قصائده
شبعا براس الجبل ع مطل هالوديان
والبدر طل وهداها نور بسماتو
بالنجم متعربشة ومرصعة تيجان
وكف الطبيعة عليها زت ورداتو
وغنية الطير فيها حكاية الاغصان
وياما الكواكب على تلّاتها باتوا
وعالعين مشيوا الصبايا بنقلة الغزلان
والنبع شمس العصر ذابت بمياتو