د. حسن مدن لصحيفة الخليج
لم يكن هتلر هو الزعيم الوحيد الذي كان يعدّ طلاقته في الخطابة أهم وسائل تعبئة مريديه وجمهوره حوله. كُثر هم الزعماء الذين اعتمدوا هذا الأسلوب. وبالإضافة إلى نبرة الصوت، يلزم الزعيم عوامل أخرى ليكون خطيباً جاذباً للاهتمام، بينها الكاريزما الشخصية، والطلاقة في الكلام. قد تكون الصرامة في الحديث أحد عوامل النجاح، ولكنها ليست كذلك دائماً. لعل مقادير من خفة الدم والظرافة في حديث الزعيم الخطيب تفعل فعلاً أشدّ تأثيراً من الصرامة في بعض الحالات
إزاء أمر كهذا لا قواعد صارمة، جازمة. ولكن المؤكد أن مهارة الخطابة كانت وراء صعود العديد من الزعماء والقادة في العالم، ولعلّ الزعيم النازي هتلر كان من أبرز هؤلاء، حيث كان لمهارته في الخطابة دورها في استمالة قطاعات واسعة من الدهماء كانت تسير وراءه كالقطيع، ومستعدة لتنفيذ ما يدعوها إليه، ويقال إنه ألقى خلال فترة حياته السياسية أكثر من خمسة آلاف خطاب كان يعد فيها مريديه بأن إمبراطوريته القادمة ستستمر آلاف السنين، لينتهي الأمر بغزو عدة دول وقتل عشرات الملايين من البشر خلال فترة حكم الرايخ الثالث التي دامت 12 سنة فقط
ينسب إلى جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازي، صاحب العبارة الشهيرة: «اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس»، قوله إن هتلر كان يكتب خطاباته بنفسه ثم يصححها ويعيد كتابتها خمس مرات أحياناً، ولأن الزاعم بهذا القول هو نفسه الداعي لتكرار الكذب، حتى تصبح الأكذوبة حقيقة، علينا ألا نأخذ زعمه هذا على محمل الجد، فلربما استعان هتلر بآخرين في وضع آلاف الخطب النارية التي كان يلقيها، مع أن مؤرخاً ألمانياً هو روبرت ويتس قال مرة: «نادراً ما تمّ الاعتماد في تاريخ ألمانيا على رجل واحد فقط وعلى شخصيته كما حدث مع هتلر»
ولأن الحديث عن اعتماد هتلر على صوته بالذات، دعونا نقرأ الوصف التالي لأحد من كتبوا عنه، حيث قال: «تشعر بأن جسمه يكاد يخرج لك من المذياع؛ فأنت تشعر بأنك قادر على متابعة حركات جسمه المرافقة لكلماته»
لعل هذا ما يفسر لنا ما تمّ نشره مؤخراً من مقتطفات من رسالة لأخصائي في أمراض الأنف والأذن والحنجرة اسمه كارل أوتو فون إيكين، يحتفظ بها أحد أحفاد حفيد ذلك الطبيب عن علاج جده لهتلر من مشكلات في الصوت، ما يثبت اهتمام هتلر بصوته الذي كان يكسبه المناصرين ودعمهم لنظامه، وتشير الرسالة إلى أن هتلر كان يخاف من فقدان صوته، إدراكاً منه، على الأرجح، بأن ذلك سيفقده أحد أسباب قوته، التي لم يكن يتخيّل نفسه بدونها