بقلم نبيلة حماني
الدنيا امرأة
(وافتهُ في الحلم ولهى حين ناداها
وضجّ في صدره لحنٌ فغنّاها
عزّ اللقاءُ فسوّاها بِخاطِرةٍ
غصناً، واَلبسها زهراً.. تملاّها
ودارَ في سكرة الأشواق.. راودَها
عن الورود.. وهل يحظى بريّاها؟
فجاوبَتهُ وقد هاما على فَلَكٍ
للحبّ، نشوتـُهُ ألقتْ هداياها
وحاورَتْ خصرَها يُمناهُ فارتعشَتْ
منه العروقُ، وأغوى الشوقُ يُمناها
همَّتْ وهمَّ بها.. كم قبلةٍ لعبَتْ
ببحر شوقِهما واهتَزَّ مَرساها
ضجّا وما فـَتـَرا.. لم تـَبقَ أُحجيَةٌ
إلاّ تـَفسَّرَ في الأحلام مغزاها
حتى المرايا التي اشتفـَّتْ خيالَهما
صارتْ شظايا وضاعا في شظاياها
*******
نامتْ على الوعدِ حين الليلُ خبّاَها
وباتَ يحلُمُ مفتوناً بلقياها
ومرةً خطرتْ في دربه فمشتْ
في إثـْرِها جمرةٌ في القلب يَصْلاها
حيَّتـْهُ، واعَدَها ولهانَ، فامتثـَلَتْ
وهلَّلَ الوجدُ في عينيه تيّاها
وافتْ تـُغنـِّيهِ ألحاناً تمنـّاها
وفي يديها عناقيدٌ تشهـَّاها
وحين ضمَّهما عُريٌ، به لـَبِسا
ثوبَ الفِراق وما أغناهُ أغناها)
تعليق الأديبة الشاعرة نبيلة حماني على القصيدة
بداية اقول ان القصيدة رائعة النسج بديعة الحرف عذبة المعنى جليته
تبتدئ بالحديث عن الحلم ‘ هذا الحلم الذي يستقر فينا وفي اعماقنا و دواخلنا فننسج منه عالما من السحر والجمال الذي نتمناه ونامل تحقيقه مهما طال بنا الزمن لذلك نقول بالامل نحيا ونستمر ونواجه كل المصاعب املين اننا في زمن ما سنحقق ما نسجنا وحكنا من احلام.. نسعي ونكد ونجد لاجل ذلك (تحقيق الاحلام) ولو تحقق لتبدت لنا حقيقة و معنى الحلم وجوهره وهل كان يستدعي منا كل هذا لاجل ان نحصل عليه.. فكثير مما يحلم به الانسان ان تحقق يصبح عاديا.. ومبتذلا.. غير ذي قيمة كما كان اول الامر كالحلم بالمال مثلا او بوظيفة او شهرة وغيرها.. لان السعادة الحقيقية كما قد نراها تكمن في التشوق اليها والكد لاجل تحقيقها.. لكنها حين تتحقق تصبح امرا عاديا مبتذلا واقعا.. ونسعي من جدبد الى تحقيق السعادة في غيرها مما نسعي اليه في الحياة
النص يطرح ذلك بنسج من العذوبة والصراحة والجلاء والجمال الشعري ويؤكده من خلال معاني بديعة نسجتها الشاعرة فتمثلت في كله ناخذ منها مثلا.. “سكرة الاشواق” “جمرة القلب “” اغوى الشوق يمناها” وغيره من وصف استعار الحب لدى كلا الطرفين باسلوب يرعى البناء المتفرد وجمالية الصورة وعلوها ونقاءها فهناك روعة النداء الذي تخذ اشكالا مختلفة والتماهي الذي ضم كلاهما فتجلي في المرايا التي ضاعا في شظاياها لتظل المرايا هنا رمزا شفيفا يعبر عن اللقاء العذب الجارف بينهما فينصهرا فيه وكانهما كل متكامل لتصير كل عناصر الوجود تصدح بما ربط بينهما من عذب المشاعر كاللحن والزهر والورد… والخيال.. الذي جعل المحبوبة في عين الحبيب نشوة وهياما حد الثمالة والسكر ما يدل على هذا الحلم الذي كبر وكبر فملأ الدنيا يكبر لدي كل منهما ترويه الاشواق و حلم السعادة الذي اصبح كل المنى وكل المبتغى والمفسر لكل حرف ووصف وشعور منهمر بينهما.. ولكل فعل سواء عن طريق الاشارة والرمز او حقيقة تتناثر بين الابيات فتمنحها من الجمال ما يجذب القارئ ويسعي لأن يستمر في هذا النص الشعري فيكون ما بينهما وصل قمة الحب العذري الذي هو رمز للصفاء والنقاء والصدق في المشاعر التي تجعل الحبيب هو روح المعشوق ونفسه.. فلا يستطيع ان يحيا إلا بروحه ونفسه.. وهو أمر عاشه الكثير ممن نعرف من شعراء الحب العذري “كمجنون ليلي” و”جميل بثينة” وغيرهما .. ممن خلد التاريخ ذكرهم وظل حبهم رمزا لكل من صدق في الحب وناله و أفنى روحه فيه وجعل الحبيب سيدا علي عرش قلبه بل سلطانا متحكما في مصار حياته
هنا اعود لفكرة السعادة التي هي في التشوق إلى الشيئ والسعي اليه والالحاح في تحقيقه ايا كان حبا او نجاحا مثلا او شهرة أو فوزا إلى ان نحققه وهنا وبعد ذلك يصبح المبتغي الذي تعبنا لاجله أمرا عاديا لدينا. لاننا قد حققناه فتبدا رحلة البحث عن سعادة اخرى قد تكون اكبر مما حققنا واستثني هنا مشاعر الحب الصادقة الحب الحقيقي الذي يقدس المحبوب ويجعله الأمل الدائم والسعادة التي تنفتح معه وتكتمل وتنمو وترقى وتصبح جنانا من الخير والفرح والتماهي في الآخر لانه يكون توام الروح وسر سعادتها الحقيقية
اما في العلاقات السطحية بين رجل وامرأة وهذا ما يحكي عنه النص
فإنها لا تصل الي التعلق الروحي لأنها سرعان ما تفنى وتضمحل وتصبح من الماضي كما اوضحته القصيدة في البيت الأخير الذي كان الخلاصة والهدف الذي سعت الشاعرة لاظهاره
فالعلاقة الانسانية بين طرفين لا يحكمها جانب واحد لتصمد وتكون قوية دائمة بل يجب ان تنبني على حب روحي يتعلق فيه الطرفان ببعضهما بعيدا عن نزوة عابرة اضافة الي القبول من كلا الطرفين فالحب الحقيقي ان تقبل الاخر بما فيه من مزايا وعيوب واحيانا يرى المحب العيب في الحبيب مزية.. ويتحاوز فيه حد العلاقة بين رجل وامراة الي علاقة تختصر كل العلاقات الانسانية من اب واخ وابن وصديق وحبيب وووو وكذلك بالنسبة للطرف الاخر
هنا يمكن ان نقول ان العلاقة لها ركائز متعددة تنبني عليها لتكون صلبة قوية متجددة مستمرة لا تتحكم فيها نزوة ولا هدف تنتهي به بعد زواله
اكاد اقول ان النص تحكي قصة عن طريق القصيدة المتكاملة القوية لغة واسلوبا ومعنى وهنا تكمن قدرة الشاعرة علي الابداع وتظهر شاعريتها المتدفقة في كل ثنايا النص
اقول ان القصيدة حققت الفكرة وابدعت في ايصال الرسالة الهادفة اليها والقضية التي تعالجها الا وهي الصدق في الحب والعلاقة التي لا يكون الدافع اليها ماديا صرفا وتكون نفعية بالدرجة الأولى وان بدت في ظاهرها علاقة محبة وصدق لأن قوة الحب يكمن في صدقه الذي ينبغي ان يكون هدفا في حد ذاته يوصل الي نبل المشاعر الانسانية التي كلما كانت حقيقية كلما دامت وانتصرت وتكللت بالسعادة الحقيقية ومواجهة العواصف التي ما اكثرها في عالم تخذ اشكالا من الوجوه واصبح الكثير من البشر فيه يتربصون بكل جميل في الحياة يحاولون قتله بنرجسية شادة لا تعرف الا الأنا المتضخم
اقول النص اعتمد لغة عذبة موحية شفيفة جذابة وصورا اغتنه وجملته وكشفت للقارئ قدرة الشاعرة على التعبير عن فكرة واقعية موجودة في الحياة بأسلوب يجمع الجمال الابداعي وقوة التاثير وعذوبة الشعر التي لا يستطيعها الا اديب موهوب و اديبة مقتدرة