يوسف طراد ٣٠ حزيران ٢٠٢١. الموقع الإلكتروني الثائر
أبو ملهب ابن المرسحية، هو من رحمٍ تلقّح عبقرية عندما راقص الإحساس العذب أنشودة معجزة البوح. فكانت مرسحية (يعيش يعيش) للأخوين رحباني التي قُدمت على مرسح البيكاديلي العام 1970. الأحلام القريبة من العدم، جعلت كل من يقطن قرب حدود أمبراطورية (ميديا)، يعمل تحت مظلة أبو ملهب التي مزّقتها العواصف والأهوال، يراقص الحزن بابتسامة وهو يحتبس الدمع بكبرياء الحياة أمام الخطر وأمام كل موت. هذا المهرّب الذي لُقِّب (بروبن هود لبنان)، كان يهرّب من أمام كبار المهرّبين، رأفة بأحلام الأولاد “الولاد بدن يكبروا ما فيهن ينطروا تا يصير في حكومة”
هل إن هذه المرسحية رواية خارج الزمن، ارتدت لباس الأرجوان الشقي على ضفاف الحكايات، وامتدّت خلف الصدى عبر المدى أميرة للمعاني مع تغيير الأبطال؟. منذ تلاوة بلاغ رقم واحد عبر محطة إذاعة (ميديا)، أصبح أبو ملهب مسؤولًا في أمبراطورية (برهوم) ونسي أحفاده في وهم مواسم الحياة. فنبتوا أشواكًا على خواصر الجبال لا تبددهم محطات الصقيع، حالمين التألق بوعد جدّهم
لكن هذا في العالم الافتراضي الذي ينسحب على زمن عُرضت فيه مرسحية (يعيش يعيش) التي وردت فيها مقولة عن السلاح: “- يلي سلاحو ظاهر يا جناب الشاويش/ – يلي سلاحو ظاهر ما بدّو تفتيش”
لكن الجدّ سليل الوديان نسي قافلة البغال المحمّلة عبر الحدود على دروب الجبال، أو على خط القمم. لأنه بسحر ساحر تحوّلت بغاله صهاريج وسيارات دفع رباعي (مفيّمة) تسير على طرقات شُرّعت قسرًا، لا تخاف سارقا أو قاطع طريق في الوهاد، لأنها محروسة بعيون وبنادق، تخدم وكلاء الله على الأرض، الذين لا يفطنون لدمعة طفل، أو غياب رغيف عن معجن البؤس، أو وطن يحتضر ولا يطلقون عليه رصاصة الرحمة، ليعود فينبثق من رماده. بل هم كالطفيليات التي تتشبّث بسقمه، وتعتاش على أسفل جذوعه دون إماتته، لأنه مصدر حياتها. بانتظار أوطان صغيرة قيد التناسل على حسابه، وهذا لن يحصل
إنه ملهب المهرّب الذي أصبح حاكمًا بأمره وأستاذًا في القانون ومحاضرًا عبر شاشات الفضائيات. هذا يعني أنه قرأ جميع المواد والعقوبات المنصوص عنها بالنسبة للتهريب. وهو يعلم أنه إذا طبّق القانون الذي لم يُطبّق يومًا إلّا على الفقير، كالقانون الذي تحدّث عنه فيكتور هوغو، ستصادر وسائل النقل والأدوات والمواد التي اِستعملت بالتهريب. وستقع المسؤولية الجرمية على كلٍّ من الفاعلين الأصليين والشركاء بالجرم والمتدخلين والمحرضين وحائزي المواد المهرّبة وأصحاب وسائل النقل وأصحاب أو مستأجري المحلات والأماكن التي أودعت فيها المواد المهرّبة. وهو يعلم أنه سيصادر السلاح الذي حمى التهريب. لكن هذا في العالم الافتراضي الذي ينسحب على زمن عُرضت فيه مرسحية (يعيش يعيش) التي وردت فيها مقولة عن السلاح: “- يلي سلاحو ظاهر يا جناب الشاويش/ – يلي سلاحو ظاهر ما بدّو تفتيش”
رحمة بالمهربين الصغار وعوائلهم الذين يعيشون كما قال السيد المسيح: “أعطنا خبزنا كفاف يومنا”، والذين لم يدخلوا يومًا مدرسة، أو يتلقى أطفالهم لقاحًا مدرجًا ضمن روزنامة التحصين الشامل الصادر عن وزارة الصحة العامة، منتظرين “تيصير في حكومة”. نظّموا إدارة التهريب بطريقة وديّة، ليحصل هؤلاء على الحد الأدنى من الحقوق بانتظار وزارة شؤون
إذا كانت رواية (كرسيفار) لجورج شوفاني هي بمثابة بلاغ رقم واحد قبل إنشاء دولة لبنان الكبير، تلك الرواية التي حصلت حوادثها قبيل مؤتمر فرساي، وكشفت لغة الخداع والكذب المباح عند الإنكليز، عندما وصفت عمليات التهريب بين لبنان وفلسطين التي لم تكن محتلّة آنذاك، كما كشفت ثعلبة ضباط الجيش البريطاني ومستشاريهم اليهود، في محاولة ضم كرسيفار مع نبع الحاصباني أغزر الينابيع اللبنانية إلى الدولة اليهودية، هؤلاء الضباط الذين حاولوا زرع الخلاف بين الموارنة والمتاولة، وكانت جميع الطوائف تلوذ إلى الطائفة المارونية، التي ظلّلتها مظلة البطريرك الحويّك عراب لبنان الكبير
فمن سيصف اليوم روائيًا أحداث تهريب في مكان معلوم عبر طرقات واضحة. هذه الأحداث التي تقوّض مداميك الوطن مدماكًا تلو الآخر، خدمة لدويلات بقيت وعود إنشائها مكتومة، ومصادرها معلومة. لكن الثابت أن هذه الدويلات تشكو من الحرمان الوطني، وتفيض بالعواطف للتصدير مع إفلاس مالي في الخزينة. ونهايتها كنهاية الكائنات (البورخيسية) التي تتسلق الأبراج وعند بلوغ أعلاها تعود إلى أسفل أدراجها