مي عطّاف
وحيدة في سريري ، نهضت باكرا وجلست على حافته ، ثقيل هذا الجسد ، تمسكت يداي بحافته ورحت أتارجح للوراء والخلف ، رأسي محني للاسفل وعيناي تائهتان
لماذا تهدهد لنا الأمهات حين كنا صغارا ؟ …. تحملنا بذراعيها وتحضننا لصدر ها ثم تؤرجحنا يمنة ويسار أو صعودا وهبوطا ، هذا التأرجح هو بقايا الأمان مما يورثه نوسان ماء الرحم ليد الأمهات ..ونسمع دقات قلوبهن هو الصوت الأول الذي تزامن مع النبضة الأولى لنكون على قيد الحياة
نهضت ..اتجهت لغرفة ولديّ النائمين ما زالا …انحنيت فوق جسد صغيريّ ، قبلت الخد وطبعت حضنا على صدرهما ..خرجت إلى الشرفة حضنت شعاع الشمس و النعناع والحبق في الأصيص .. عدت للمطبخ حضنت قطرميز البن ثم ضممت كتابي بقوة لصدري حين مرت جملة أجرت معي حديثاً في الأعماق
خرجت من البيت التقيت جارتي عند الباب ، مثلي خارجة فحضنتها فابتسمت وقالت : والله انت غالية يا مي
نزلنا الدرج معا ، كان ابن جارنا الشاب بعمر ابني واقف بمدخل البناية ابتسم ورمى لنا : صباح الخير
اقتربت منه وفتحت ذراعي وضممته ، سمعت تنهده يا ويله ما فعل به الأرق …لكنه كمن يريد ان ينام عاد وضمني بنظرة امتنان
جارتي في عينيها خجل وتردد : قلت خذي جرعة صباح
دخلت دكان أبا بتول الذي لو ناديته أبو علي لنظر إليك وقال : لدي ابنتان وأنا أبو بتول ، تحيك لي في كل صباح قبلة وزوادة وتوصيني من البرد والتعب : بابا دير بالك ع حالك ولا تطلع برا الدكان ، اليوم برد كتير
لم أترك لابي بتول خيارا قلت : صباح الخير وحضنته بقوة ، هو يعرفني ويناديني (اختي أم ورد ) خرج من صدره زفير مضطرب يردد (خائف على البنات ) وحين شعرت باستقرار نفسه
قلت : حبك زوادة قوة للبنات حتى الممات …ضحك وأجاب : الله يخليلك هالشباب
حين خرجت كان الولد الذي كلما حضر للساحة يهرب منه الكبار والصغار ، وقد لقب بالأزعر فهو شاعر السباب يلقي المسبات بكل جوارحه ومن شدة عاطفته تطرب له … انحنيت وحضنته فجأة ، ململه خجله ثم عشعش في صدري بأجمل الألفاظ
حتى أبو محمود الرجل العجوز الذي أسمع ابنه يشير إليه (ولك يا بيي اتحمم ريحتك طالعة ) لم يسلم من حضني ، صرت عكازته وسمعت رائحته تقول : لا أريد أن اشطف عني روائح الذكريات والاحبة الذين اشتاقهم وقد رحلوا …شدني إليه ربما كنت احفظ بعضا من أثر الأحبة
عدت للبيت ..كانت بي من الخفة أن صعدت سلم البناية أتخطى للأعلى عدة درجات معا
قالوا أن الحي في ذاك اليوم كان رطبا كواحة ..ووجوه اهله كانت فرِحة مرتاحة و نضرة ..الطارئ الوحيد الذي حل أن الناس بدلوا سلام اليد ..بغمرة