مي عطّاف
صندوق الصور القديم ، اخترته حين قالت لي أمي ماذا ستأخذين معك من البيت كذكرى !؟
صندوق الصور في أسفل خزانة والدي ّ لم يعد به صور لهم ولنا إلا عدة منها غير واضحة بالأسود والأبيض ممحي اغلبها وبضع أخرى لرفاقهم ربما لم يعودوا يتذكرونهم ، فما يتبق من الصور هي أشغفها
كان الصندوق خشبي متوسط الحجم بلون الجوز ، سطحه اشبه بالقنطرة يغلق بقفل على شكل امرأة
قالت أمي : مي من كل عقلك وك أمي بدك تاخدي هالصندوق ، قديم وكله شخبرة
أمي لم تعرف أن الشخبطة تلك هي ثاني أمر جعلني ارغب بالصندوق لا بغيره
كانا والديّ مشغولين عنا بالعمل حين كنا أنا واخوتي صغارا ، نفتح الصندوق الممتلئ بالصور الأبيض والأسود ونقول ما أجمل حياتنا فهي ملونة
كنا نعتقد أن حياتهم بلونين فقط الأسود والأبيض ..وكنا نضحك ونحن نؤلف عن كل صورة قصة ..ثم نأتي بأقلام التلوين نلون بعض لباسهم وإن زاح اللون ووصل للوجه كنا نبصق على إصبعنا ونفرك الوجه فيختفي تاركا نثر خفيفة
كتبنا اسماءنا والعبارات على الصندوق ..وحين كبرنا وعشقنا دوّن كل واحد جملته في اسفله أو داخله يأتمن على سره كخزينة مغلقة
ثم بدأت الصور بالتناقص من الصندوق كلما خرج من البيت احدنا
أمي لم تعرف أن أسباب رغبتي بالصندوق متعددة ..لكن أولها مفتاح الصندوق كان على شكل أمرأة نحاسية المعدن واقفة تدير لنا نصف ظهرها كان ثديها اليمين قبة صغيرة وخصرها نحيف وبمؤخرة صغيرة كنت اشبهها بقلفتي حبة فول ناعمة
كانت المرأة قبل ان تنغلق تبدو واقفة تمد يمناها للاعلى وبيدها كرة ..ولكن حين كبرت قليلا عرفت أنها كانت تقطف قمرا ، فالجزء الآخر من القفل كان رجلا بلا رأس ممدد ،حدود جسده من معدن النحاس مفرغ من الداخل
عند إغلاق القفل …المرأة حرة الحركة أبرمها لتتمدد مثل الرجل وأدخلها في داخله المفرغ ليصبح القمر المقطوف رأسا له ، لتتشكل منحوتة امرأة ممدة داخل رجل تجعل منه مكتملا
كنت أحب أن افصلهما وأمنح الفصل حكايات ثم اعيدهما بلحظة شوق عارمة
في هذا الصباح ذكرني الفيس (صندوق بعض صورنا ) بصورة أحبها ، ليس لألوانها ولكن كنت وقتها خفيفة كفراشة ولم أدرِ ذلك إلا حين رأيتها اليوم ..قلت كم كنت أخف حمل بالأفكار والحب من الآن
تغير الصندوق وصار في متناول يدنا كل لحظة ، كأن يعتريني الشوق إليه فأفتح الصندوق الصغير بكمشة اليد واقلب في الاستديو في كل صوره …لا بل يقسو علينا أو يفرحنا بأن يذكرنا بصورة تأتي أو لا تأتي بموعدها
أطالع في كل لحظة استيقاظ من الصندوق صوره فأميل لصورة له يبدو بها وجهه فقط ، وقد جعلت الظلال منه كأنه خارج من زمن الاسود والابيض تلك صورة أحبها ..أتأمله و أُؤلف مشاهد عن رجل أحبَّ امرأة وينتظر قطوف قمرها