من ادب السيرة حياة الرايس
لقد بدأت الحكاية من بغداد ، على شاطئ دجلة بالذات .عند نصب شهرزاد و شهريار الناهض كشاهد ابدي على شهوة الفن للحياة و شهوة الحكاية للتجدد ….حيث تقف شهرزاد قبالة شهريار: شامخة كنخلة بغدادية، ملكة تمسك صولجان الكلمة بيدها و تقبض على سرّ الحرف الوهّاج و تعلّمنا أسرار الليالي في مقاومة شهوة الموت عند مليكها شهريار. وتُبعث كل يوم جديدة كما أرادها الفنان النّحات محمد غنيّ حكمت ( الذي أقام النصب في منتصف السبعينات): واقفة غير راكعة أمام شهريار الحاكم بأمره، المتكئ على أريكته، ظهره إلى النهر و عيناه إلى شهرزاد. و شهرزاد عيناها إلى النهر يركض الموج بخيالها من دهشة إلى دهشة لا تنتهي
شهرزاد التي ملأت الدنيا حكايات و أثّثت ذاكرتنا ووجداننا بقصص عالم عجائبي تفرّدت وحدها دون نساء الأرض بابتكاره: عن التاريخ القديم وأخبار الملوك و السلاطين و الإنس والجن والإنسان والحيوان والّلصوص و الشّطار و الحكماء والأطباء و الأبطال ورجال الدين والدنيا و الخير و الشّر
واقفة الآن بحدائق دجلة بقلب شارع ــأبو نؤاس ــأو شارع الشّعراء والعشّاق كما كان يسمّى : قلب بغداد السبعينيات النّابض بالعشق والشّعر والأنس و الطرب و الفرح و السّهر و السّمر … تشتهي لو تعود بها الحكاية إلى جديد الّليالي ، بعد أن ملّت الهجرة خارج الحكاية ، معلّقةَ بفراغ الغياب . تبحث الان عن غواية جديدة تعيش على وقعها ، ووجود متفرد لجوهرها الأنثوي الاستثنائي . تبحث في عيون حفيداتها عن بداية جديدة للخلاص من صمتها الذي طال . تبحث عن الدهشة في روح أهل هذا الزمان و هي التي تعرف أكثر من غيرها أن وجودا بلا دهشة هو هوّة و سقوط في الفراغ
لأجل عيون ” شهرزاد”ملأت جدّتي طفولتي حكايات و وعدتها منذ صغري أن أملأ بدوري الدّنيا حكايا . خاصّة بعد تلك الليلة التي وضعت رأسي على ركبتها و هي تهدهدني لأنام و تحكي لي حكاية فاطمة و محمد بن السلطان… فأخذها النوم و هي في عزّ الحكاية و لم تفق بعدها أبدا … إليها سأواصل بقية الحكاية التي لن تنتهي لأني سأنام مثلها في عزّ الحكاية …. و قد كتبت لها هذا الإهداء في روايتي المسرحية ” عشتار” فيما بعد ،لأن عشتار أكثر الآلهة انتشارا هي أسطورة متجددة بسطوها عبر الزمان أيضا
كانت جدتي تهدهدني لأنام و هي تردّد ” لن تفنى الكلمات …لن تفنى الكلمات…” هي تعرف ان شهرزاد خبأت كل الحكايات في جرابها الذي لم يدفن معها و ما على جداتنا غير النبش قليلا لدغدغة عظام الموت لتنفجر الحكايات بكل قوة الحياة