ماري القصيّفي
لا تصدّقوا كاتبًا (أو فنّانًا) يحدّثكم عن السعادة والفرح والأمل… فمن ليس مكتئبًا ليس كاتبًا… فبين الكآبة والكتابة علاقة تتعدّى رابط اللفظ، لأنّ الكاتب الحقيقيّ هو من التقط أولئك الذين لفظتهم الحياة إلى هامش العيش وجعل لهم في وجدانه مسكنًا دائمًا
وكذلك حال الرسّام والنحّات والموسيقيّ والراقص والسينمائيّ
ليس من الضروري أن يجرح المبدع قلبه ليسقي قلمه من دمائه كما طلب الياس أبو شبكة، يكفي أن يغمس الشاعر ريشته في الدماء حوله (وكم هي غزيرة) كي يكتئب ويكتب
الداعون إلى الأمل والتفاؤل ودعاة المحبة والساعون إلى السلام ليسوا أدباء ولا شعراء بل مبشّرون
فالكتابة التي لا تصدر عن جرح ولا تحدث جرحًا كَنَبة يستريح عليها كِلا من كتب ومن قرأ
أمّا تلك المكتوبة بالأظافر على اللحم الحيّ فهي الكآبة في أبهى أشكالها… هي الصليب الذي لا يتّسع إلّا لمصلوب واحد هو الكاتب نفسه
اهربوا من الكتابة… من هذا النوع من الكتابة، فهي جرح مفتوح لا تجفّ دماؤه، وقد تغرقون في سيل نتنه
ابتعدوا عن هذه الكتابة… فهي تطلب منكم أن تروا وتصغوا وتلمسوا وتعيشوا وتتألّموا…وتموتوا
انقذوا أنفسكم من هذه الكتابة ولا تحسدوا من أصابته لعنتها… لا تحسدوا من لا تسكت الأصوات في رأسه، ويضجّ الموتى في سكون وجدانه، ويحيا في حياة واحدة آلاف الحيوات من دون أن يعرف كيف يعيش ويستمتع
كآبة الكتابة
تعليقات 1