هناء عبيد
تقول صديقتي: “أحب أن تبدأ صباحاتي بالورود، أن أفتح أفق الفجر على عبق الياسمين، وعطر النرجس وألوان الكورديا، أبعثها مع نسمات رقيقة من رذاذ روح مفعمة بالحب، أريد أن أنشر دفئًا صباحيًا ليكون بداية يوم مشرق تتجلى فيه الذاكرة، ويكون انطلاقة ايجابية نحو أمل جديد. لهذا أرسل ورودي لصديقاتي فتجدنها في بريدهن كل صباح، لكن الردود لا تكون متشابهة، فهناك من ترد بإرسال بستان ورد، وألف بسمة، وقبلات امتنان، وهناك من لا تتورع بالرد، بل وتتذمر، وقد تغلق بريدها في وجه الورد”. قلت لها: هكذا هي الحياة يا صديقتي، فكما أن هناك الحب هناك الكره، وكما يوجد الأسود يوجد الأبيض حتى الجمال يقابله القبح. لا تحزني يا عزيزتي، فهناك أرواح لا ترى من الورد غير أشواكه
لست وحدك من يعاني ذلك، بالأمس أرسلت لصديقتي أغنية تطرب الأذن للحنها، وتذوب الأرواح العاشقة لسحر كلماتها، فإذا بها تردّ عليّ بقصيدة تزهر روحي وترسم البسمة على نهاري وتنشر شعاعات النور في يومي الذي حسبته سيتلون بظلمة العتمة
لقد أرسلت تلك الأغنية بكلماتها لصديقة أخرى، وددت أن أجعل من يومها إشراقة مميزة، يبدو أنها لم تسمع من عطر الكلمات سوى لحنًا نشازًا، كأنها تقول لي، أيتها المزعجة لا تعيدي الكرة وإلا ستندمين، وأزيدك من الشعر بيتًا، فقد أرسلت عتابًا لصديقة مملوءًا بعطر سكبته روحي، وكما نقول العتاب على قدر المحبة، فجاءني ردها الجميل بعبارة أحبتنا العراقيين” تدللين يا عيوني” كأنني ملكت الدنيا بسمائها وأرضها، وكان الرد مغايرًا من صديقة أخرى، حيث جاءني الصدّ الذي طرق قلبي بمطرقة الخيبة والخذلان
لعل نيوتن يفسر لنا ذلك التناقض الذي نعيشه في قانون الحركة الذي يقول فيه: “لكل قوة فعل قوة ردة فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه” عبارة علمية ليس لها ما يربطها بالحب، لكنها قد تحمل تفسيرًا لما يحدث في هذا العالم الغريب
فالقلوب العامرة بالعشق التي لا تزال تعترف بتأثير الحب والدفء وما له من تداعيات تجلب السعادة والأمان والهدوء، يقابلها قلوب متصحرة، تتصدى للحب وتقرنه بالبلاهة، وكأنها تتساءل، أي حب في هذا الزمن الالكتروني الذي بتنا فيه كالآلات التي نخرها الصدأ؟
وفي الوقت الذي تتفنن فيه المصانع بصناعة دبب الحب والقلوب الحمراء، والورود المبهجة، نجد في المقابل لها مصانع الموت والدمار ومصانع الأسلحة التي تجد في قتل البشرية سعادتها
كم أشفق على هؤلاء الذين تحجب الغمامة عيونهم عن نبضات قد تكون دواءً شافيًا ليوم شقي
فيا لها من نعمة حينما يدرك أحدنا أن الله قد خلقه بمشاعر مختلفة، تمكنه من رؤية بهجة الحياة في الورود وألوانه وعطره، وتغدق على أحاسيسه بتلك الكلمات الدافئة، فيجد البهجة التي تدغدغ أشواقه وتداعب شغاف قلبه، وتأسره العتابات المملوءة بالحب والوفاء والإخلاص
فطوبى لأولئك الذين تنزرع في قلوبهم ورود الحب فيوزعونها كل صباح على من يستحقونها، وشكرًا لهؤلاء الذين يهدون كلماتهم العابقة برذاذ الحب ليشرقوا يومنا، وشكرا لهؤلاء الذين يحتوونا بعتاباتنا المتشبعة بكل معاني الحب والإخلاص والوفاء
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل
- فلسفة القوة عند نيتشه
- أزمة السمنة المستمرة
- د. حسن مدن يكتب: الانطباع الأول
- ماذا يقرأ محمد صلاح ؟