باسمة حمود
Disoriented
قلت لزوجي أنني مربكة، و لم يصدّقني. لم أصرّ. لم أخبره مثلاً أنني لا أذكر تفاصيل الاسبوع الاوّل منذ عودتي. و أنني كلما طالعت وجهاً مألوفًا هنا احترت في اسم صاحبه، و أنني أصاب بنوبة قلق كلما اقتربت من حقائبي و قد رميت بها في غرفة و أحكمت إغلاق الباب جيداً. قلت لأمي تلك أغراضي آخر ما بقي لي منكم.. فلتبقى قليلا أكثر. و أن ألوان هذا المكان صارت غريبة عليّ، و قد خذلتني السماء الرماديّة لحظة هبوط الطائرة، فنظرت الى ابنتي و تذمّرتُ و تذمَّرَت هي كذلك.. حتى كدت أسألها “أين نحن؟” و كأن نصف عمري الذي أمضيته هنا فشل بالتقاط قلبي اذ هوى و هبط من صدري لحظة الهبوط تلك، مثلما التقطه أبي عند باب الدار و ضمّه اليه ثم اودعه بين يديّ أمي بسلام في تلك الليلة من تموز
What a sad realization!
أن أدرك كل هذا مع كل عودة قسريّة الى هنا، لهو امر محزن حقاً
يستفزّني زوجي، يذكّرني أنني في وقت ما كنت متردّدة في السفر.. أسيرة النسيان، لبعض الوقت.. لا أشرح له.. مثل خالاتي اللواتي هاجرن و ما رجعن.. و تضخّم الشوق بين ضلوعهن حتى تحجّر. و ما رجعن. أسيرات النسيان صرن. و انا مثلهن . قلت لأمي بعد غياب أربع سنوات “لم اصدّق أننا سنلتقي!” و سجلت أختي كلماتي
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
استعدت الصور أخيراً. و ذلك المشهد تحديداً و انا اعترف لأمي بكل مشاعري. كنت عاجزة عن النظر الى أي منها. و اليوم توسّلت جرأتي و واجهت بعض اللحظات التي سجلتها. كنت السائحة هي، و كاميرا هاتفي الحديث تشهد على حركات أصابعي و انا التقط كل اللحظات السعيدة و حتى الحزينة.. وجه أبي و هو يستقبلني و كذلك خده و هو يبكي على باب الدار نفسه و اجهش معه بالبكاء.. صور من صباح العيد و اولاد يشبهون طفولتي يركضون في الدار و لا اعرفهم.. صور الطرقات و الشجر الذي كبر و حتى القطط النحيلة و الكلاب المشرّدة و قد تكاثرت.. صور بيروت و هي تجنح تحت الظلام و صور الروشة و انا احرّك الكاميرا صعودا كي لا تشي كمية النفايات بحقيقة ما آل اليه حال المكان.. ووجه بحّار قديم.. لا بدّ انه اليوم انتحر.. و صور كثيرة
ما هو الصواب؟ أسأل اليوم و أنا الغائبة عن حاضري و عن ماضيي. و أنا المحظوظة، المواطنة في دولة من دول العالم الأوّل. و أنا الراحلة عن مكان أشهد انه يحتضر!! هل يموت كل اهله؟
كان لا بدّ ان ابكي اسبوعاً كاملاً و ان أستعيد رشاقة كلماتي بنزيف من الدموع.. سأكتب لبلدي و لأهله إذاً.. لصديقة الطفولة ليندا التي فقدت والدها بالأمس و حين التقينا قالت انها تبكي كلما قرأت نصا لي.. سأكتب الى سائق باص مدرستي القديمة محمد الذي أخبر أمي عن مدى اعجابه بي “لازم تكون محامية” قال لها.. و انا ضممت فرحة أمي على الهاتف و ضحكت معها.. سأكتب الى أنوار ، البيروتية التي اخبرتني انها تفتش على نصوصي على الفيسبوك ثم سألتني “قداي بتحبي لبنان؟” الى منار ، و قد التقيتها في متجر و “عرفتك وقت دخلتي” تتابعني و تبكي في غربتها كذلك.. هكذا قالت لي.. و لوفاء السورية و بناتها.. و قصص النساء التعيسات في مجتمعي! و سأكتب لأليس و كارولين و أحلام للبنان آخر.. و وفاء جميل
و سأكتب لك، أينما كنت! حلم لا يتحقق
سأكتب للأهل! لن يدرك ذلك زوجي! لا اخبره اصلا هذه التفاصيل. كل الذين ذكرتهم اهل. و هذا هو الصواب
تسلم الأنامل شو عم تكتب و تسلم العيلة و يسلم الوطن