علماء يُنْشِئون نموذجًا كاملًا لجنين بشري دون الحاجة إلى نطفة أو بويضة
6 سبتمبر 2023 – جيمس غالاغر، مراسل الصحة والعلوم
تمكّن علماء من إنشاء كيان يُشبه إلى حد كبير الجنين البشري في مراحله الأولى، دون استخدام نطفة أو بويضة أو رحم.
فريق معهد وايزمان في إسرائيل أوضح أن “نموذج الجنين” الذي ابتكروه باستخدام الخلايا الجذعية، يشبه تمامًا الصورة النمطية لجنين بشري يبلغ عمره 14 يومًا.
بل إن هذا النموذج أفرز هرمونات جعلت اختبار الحمل يظهر نتيجة إيجابية داخل المختبر.
الهدف من هذه النماذج هو توفير وسيلة أخلاقية لفهم اللحظات الأولى من حياتنا.
فالأسابيع الأولى بعد تلقيح البويضة بالنطفة تشهد تغيرات دراماتيكية — من مجموعة خلايا غير متميزة إلى كيان يمكن رؤيته لاحقًا في فحص الموجات فوق الصوتية.
وهذه الفترة الحرجة هي أحد الأسباب الرئيسية للإجهاض والتشوّهات الخلقية، لكنها لا تزال غير مفهومة بشكل كافٍ.
يقول البروفيسور يعقوب حنّا من معهد وايزمان للعلوم:
“إنها صندوق أسود، وهذا ليس مجرد تعبير مجازي — معرفتنا محدودة للغاية.”
المادة الأولية
البحوث المتعلقة بالأجنة محفوفة بالتحديات القانونية والأخلاقية والتقنية.
ولكن هناك حاليًا مجال يتطور بسرعة، يسعى إلى محاكاة تطوّر الأجنة الطبيعية.
في هذا البحث الذي نُشر في مجلة Nature، يصف الفريق الإسرائيلي النموذج بأنه أول نموذج “كامل” يُحاكي جميع البُنى الأساسية التي تظهر في الجنين البشري المبكر.
يقول البروفيسور حنّا:
“إنه بالفعل يُطابق صورة نموذجية لجنين إنساني في اليوم الرابع عشر” — وهو إنجاز لم يتحقق من قبل.
بدلًا من استخدام نطفة وبويضة، استخدم العلماء خلايا جذعية “بدائية”، أعيدت برمجتها لتكتسب القدرة على التحوّل إلى أي نوع من الأنسجة في الجسم.
ثم استُخدمت مواد كيميائية لتحفيز هذه الخلايا كي تُنتج أربعة أنواع من الخلايا الموجودة في المراحل الأولى من نمو الجنين البشري:
- خلايا الإبي بلاست التي تُشكّل الجنين (أو الجنين الكامل لاحقًا).
- خلايا التروفوبلاست التي تُصبح المشيمة.
- خلايا الهيبوبلاست التي تُشكّل كيس المُحّ (yolk sac).
- خلايا الميسوديرم خارج الجنين.
تم خلط 120 خلية من هذه الأنواع بنِسَب دقيقة، ثم تركها العلماء تتابع تطورها تلقائيًا.
حوالي 1% فقط من الخليط بدأ تلقائيًا رحلة التجمّع الذاتي وتشكيل بنية تُشبه — دون أن تُطابق — الجنين البشري.
يقول البروفيسور حنّا:
“أعطي كل الفضل للخلايا — عليك فقط توفير المزيج الصحيح والبيئة المناسبة، وهي تتولى الأمر بنفسها. إنه أمر مذهل حقًا.”
نموذج جنين بشري اصطناعي يثير تساؤلات أخلاقية
تُركت هذه النماذج لتنمو وتتطور حتى أصبحت شبيهة بجنين يبلغ عمره 14 يومًا بعد الإخصاب — وهو الحد القانوني المسموح به للأبحاث على الأجنة في كثير من الدول.
رغم أن المقابلة جرت في وقت متأخر من الليل، إلا أنني شعرت بشغف البروفيسور حنّا وهو يُريني عبر جولة ثلاثية الأبعاد “البنية المعمارية الدقيقة بشكل رائع” لهذا النموذج.
رأيت التروفوبلاست (الذي سيُشكّل المشيمة لاحقًا) يحيط بالجنين، متضمّنًا تجاويف تُسمى “لاكُونا” تُملأ عادة بدم الأم لنقل الغذاء للجنين.كما ظهر كيس المُحّ الذي يُؤدي بعض وظائف الكبد والكلى في هذه المرحلة، إضافةً إلى قرص جنيني ثنائي الطبقات — وهو من العلامات الأساسية لتطوّر الجنين.

فهم الخلق… خطوة بخطوة
الأمل أن تُسهم هذه النماذج في مساعدة العلماء على فهم كيفية نشوء أنواع الخلايا المختلفة، ومشاهدة أولى خطوات بناء أعضاء الجسم، أو دراسة الأمراض الوراثية والموروثة.
وقد بيّنت الدراسة بالفعل أن أجزاءً من الجنين لا تتشكّل ما لم تُحيط بها خلايا المشيمة في وقت مبكر.
هناك أيضًا حديث عن إمكانية تحسين معدلات نجاح عمليات التلقيح الصناعي (IVF)، من خلال فهم أسباب فشل بعض الأجنة، أو استخدام هذه النماذج لاختبار أدوية أثناء الحمل.
يقول البروفيسور روبن لوفل-بادج، الباحث في معهد فرانسيس كريك:
“تبدو هذه النماذج جيدة جدًا، بل طبيعية جدًا.”
“أظن أن العمل ممتاز، ويبدو منطقيًا للغاية، وأنا منبهر به.”
لكنّه أضاف أن نسبة الفشل الحالية، التي تبلغ 99%، لا بد من تحسينها.
فإذا فشل النموذج في التكوّن في معظم الحالات، فسيكون من الصعب دراسة مشكلات الإجهاض أو العقم.
تمييز قانوني
يُثير هذا الإنجاز سؤالًا حول ما إذا كان من الممكن تجاوز مرحلة 14 يومًا من تطوّر الجنين.
من الناحية القانونية، هذا غير محظور — حتى في بريطانيا — لأن النماذج الجنينية تُعتبر مختلفة قانونيًا عن الأجنة الفعلية.
يقول البروفيسور لوفل-بادج:
“البعض سيرحب بذلك، لكن البعض الآخر سيشعر بعدم الارتياح.”
“كلما اقتربت هذه النماذج من الجنين الحقيقي، زادت الأسئلة الأخلاقية التي تُطرح.”
صحيح أن هذه ليست أجنة بشرية طبيعية، لكنها قريبة جدًا منها.
“فهل ينبغي التعامل معها بنفس قوانين الأجنة، أم يُمكن السماح بمزيد من المرونة في التعامل معها؟”
البروفيسور ألفونسو مارتينيز أرياس من جامعة بومبيو فابرا، قال إن هذه الدراسة:
“من أهم الأبحاث على الإطلاق.”
“لقد تمكّن الفريق ولأول مرة من بناء البنية الكاملة للجنين البشري من خلايا جذعية في المختبر، ما يفتح الباب أمام دراسات حول الكيفية التي يتشكّل بها الجسد البشري.”
ويُشدّد الباحثون على أن استخدام هذه النماذج في محاولة تحقيق حمل سيكون غير أخلاقي، وغير قانوني، ومستحيل فعليًا — إذ إن تجميع 120 خلية في المختبر يتجاوز النقطة التي يمكن فيها للجنين أن ينغرس بنجاح في بطانة الرحم.