بقلم : د. محمد قصيبات
عجبتني تلك المرأة الليبية التي كتبوا على شاهدة قبرها ( لها جمالُ “هيلينا” وأخلاق “ثيرما” ، وقلمُ “أرستيبوس” ، وروحُ “سقراط” ، ولسانُ “هومر” ) . لقد كتبتْ أكثر من أربعين كتابا، وعُرف ابنها باسم “ميتروديدانتوس”.. أي الذي علمته أمّه.. ففي ذلك الوقت كان من العيبِ أن تعلّم الأمُّ ابنها… لكنّ هذه الأم الليبية تحدت الجميع وتحدت الديمقراطية وفرضت آراءها الجريئة
إنها “أريتي بنت أرستيبوس” أول امرأة درست و درّستْ الفلسفة . تعلمت من أبيها تعاليم المدرسة القورينية للفلسفة التي علمتها بدورها لابنها “أرستيبوس الأصغر”
يقول المؤرخُ الفرنسي “اندريه لاروند” أنّ العلاقةَ بين قورينا وأثينا كانت دومًا مميزة وذلك في كلّ ما مرت به المنطقةُ من أحداث ؛ كانت العلاقة مميزة بسبب وجودِ عددٍ هائل من المفكرين في قورينا والذين كانوا من طبقات متعلمة وغنية جعل حركة تنقل الفلاسفة والمفكرين من مدينةٍ إلى أخرى أمرا سهلا حسب الظروف السياسية التي تمر بها كل مدينة ؛ فبعد الحكم بالاعدام على الفيلسوف “سقراط” لجأ أفلاطون إلى قورينا ، وامتازت الطبقة المتعلمة في قورينا بالعودة إلى بلدها بعد انتهائهم من دراستهم رغم أنّ ذلك لم يحدث مع أريتي التي كانت استثناءً للقاعدة حيث بقت سنوات طويلة في أثينا لتدريس الفلسفةِ وربما سر بقائها كان من أجل نشر أفكار مدرسة قورينا في الفلسفة ؛ وتعتبر الكاتبة والفيلسوفة الإيطالية “جيوليا سيسا” وهي المتخصصة في تاريخ الديمقراطيةِ أن أريتي القورينية هي أول امرأة دافعتْ عن حقوق النسوة في التاريخ وأول امرأة تتحدى الديمقراطية ؛
فلقد ظهرت في زمن كانت الديمقراطية اليونانية تهين فيه المرأة وتمنعها من العملِ والدراسةِ ومزاولة العمل السياسي. تمكنت أريتي من تدريس الفلسفةِ في زمن اتخذ فيه الفلاسفةُ موقفا موحدا ضد المرأة ؛ فأفلاطون الذي درس العلوم قال أنّ المرأة نتجت من تحول رجالٍ جبناء إلى أناث ، وقال أرسطو أنّ المرأةَ أقل شأنا من الرجل لأنها تحمل في أوردتها دمًا أقلّ سخونةٍ من الرجل وعرف ذلك ب
(Athumatera)
أي النسوة جبانات وهي الفكرة نفسها التي اعتمد عليها علم الانتروبولوجيا المعاصر الذي يقوده “كلود ليفي شتراوس” وتقول الكاتبة أن أرسطو أكد أفكاره تلك في كتاب “السياسة” حين قال أنّ الرجل إذا كان جبانا نعتبره أنثى وأنّ المرأة غير قادرة على اتخاذ قرار ولا يمكن أن يسمح لها في المشاركةِ في الحياة السياسية ولا في اتخاذ قرارات البرلمان . وتري جيوليا سيسا أنّ مفكري العصور الوسطى مثل البيرت الأكبر وتوماس الاكويني تأثروا بأفكار ارسطو تلك وكرروا معه قوله “أن المرأة بها رطوبة أكثر من الرجل مما يجعل دماغها يطفح من قرار إلى آخر” وكذلك الأمر مع الفيلسوف الألماني شوبهاور والذي شنّ هجوم قاسيا على المرأة في كتابه « عن النسوة » الذي صدر عام 1851
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل
تلك الأفكار عادت من جديد إلى العقل الأوربي حتى أنّ أحد مرشحي الرئاسة الفرنسية لهذا العام روج لمثل هذه الأفكار
جاءت سيرة أريتي (كما يكتبها المعاصرون) لتمحو كل تلك الأفكار
نشرت المقالة بتاريخ 19 يوليو 2022 (صحيفة الحياة الليبية)
تعليقات 1