خلف جدار المنزل، جسد ينحني قليلاً، وكأنه يتحدى الخوف القابع، في الداخل امرأة تحاول أن تمنح أطفالها الأمان. تلتصق بالجدار، ووجهها يفيض بالقلق، عيناها تتابعان كل حركة وتسترقان السمع لكل دوي في الخارج طفلان إلى جانبها، ابنتها التي تمسك بيد أخيها الأصغر، عيناها مغرورقتان بالدموع لكنها تحاول أن تبدو قوية لأجله. يجلس الولد على الأرض، يضم ركبتيه إلى صدره، بينما وجهه مغطى بين ذراعيه، في محاولة يائسة للهروب من الأصوات المدوية الأم تمد ذراعًا واحدة إلى الأمام، وكأنها تحاول أن تحتضنهم عن بعد، ذراعها الأخرى تلتصق بالحائط، ويدها مفتوحة كما لو كانت تمسك بآخر خيوط الأمل.
صوت القصف يقترب، وكلما ارتفع صوت الانفجارات، إنكمش جسدها أكثر، لكنها تظل واقفة، حاجزًا بين الخطر وأطفالها يعود الهدوء، يغفو طفلها على يدها، وتحاول ابنتها استعادة قوتها بالاتصال بصديقاتها لتخبرهم ما حصل في كل مرة يتسلل الموت كظلٍّ طويلٍ يقف على عتبات قلوبنا، تبحت عن جدران في المنزل، الجدار الذي تظنه أكثر أمنًا من تلك الواجهات الزجاجية الهشّة.
في كل مرّة تتكأ عليه مع أطفالها، تستشعر خشونته الباردة تحت راحتها، وكأنه الحصن الأخير أمام هذا العالم المترنح بالدمار.
خلف هذا الحائط، كم مرة اختبأت وكم قصة مخيفة عاشتها، بدءاً من رصاص طائش في أزقة تتنازعها الطائفية؟
مروراً بمحاولات ردع هذا الجدار من السقوط على أطفالها أثناء انفجار المرفأ وهروبها من المنزل ظناً أنه زلزال وعليها النجاة بأرواح أطفالها واليوم، تشعر أنها تقترب أكثر من الموت، تهمس قائلة: «ونحن هنا، نلتصق به كأنّه جزء منا، تضرب الأرض من حولنا انفجارات جديدة، قصف عشوائي لا يفرّق بين ليل أو نهار، كأن الموت لا يكتفي» ترى في عيون أطفالها خوفًا لا تملك تفسيره، تقترب من ذلك الحائط الذي يحمل أثقال التاريخ وحكايات الخوف التي مرّت بصمتٍ من جيل إلى جيل تستعيد قواها تحاول أن تطمئنهم، وتقنع نفسها أن هذا الحائط هو يد القدر التي تحميهم، أنه رفيق قديم لصمودهم، إنه الشاهد الصامت على كل ما مرّ ولم يُسقطنا بعد.
وكل ما تبقى هو آثار لنوافذ الأمل التي انكسرت، وانسدل الليل فجأة على النهار تمشي بغير إرادة، تتجه نحو غرفتها، تشرّع أبواب الخزائن، تبحث عن وثائق السّفر، تحملها وتمضي تسمع صوتاً غريباً، تدخل الى المطبخ ترى عصفوراً يرتجف خائفاً تحاول ان تلتقطه وعبثاً يحاول الطيران