لأوّل مرة عندما أكتب قراءة في كتاب، لا أعرف من أين أبدأ.
كل من يحبون جبران خليل جبران يحبون مي زيادة – مريم الياس زيادة أو إيزيس كوبيا. وأنا من عشاق جبران لذلك عندما اسمع باسم مي زيادة فعليّ أن أقرأ، وهكذا كان.
بدأت بقراءة رواية “أنا مي “في 5/4/2024 وأنهيتها للتو.
في البداية وجدتُ قصة مريم ومن ثمّ “أنا مي” زيادة وفي آخر فصل، عودة على بدء عبر قصة مريم ونهاياتها.
عندما تحب مي زيادة تغرق في القراءة ولا تتوقف فيسيل الحبر دموعاً تعصِر القلب وتسقط على الخدين سيلاً غير مرغماً.
وفي رواية علي حسن ذرفتُ الدموع لما قرأته عن حياة مي. أنا التي قرأت رواية واسيني الأعرج منذ أقلّ من ثلاثة أشهر، ولم اتوقف حتى أنهيتها في ثلاثة أيام.
وها أنا اعود إلى مي في زمن قصير.
حياة مي ومريم تُشبه حياة نساء العالم العربي اللواتي لا يتزوجن، وحياة كل أنثى لا تنجب وإن تزوجت.
عصير الحزن يسيطر عليّ وأنا أقرأ. فتمتزج دموعي بحروف كتبتها مي بخط يدها وأخرى رواها الكاتب بأسلوب سهل وبقلم أدبيّ غنيّ يثُير الإعجاب لكثرة المراجع والقراءات التي قام بها من أجل كتابة هذه الرواية.
منذ عزمَ الياس زيادة والد مي مغادرة لبنان إلى فلسطين وزواجه في الناصرة وتسلّقه لك جدار الكلمات وغمسه في حبر الصحافة وفي ألوان الجرائد. فتح له مكانة ولابنته فتح باباً في عالم الأدب. تسلّقت مي درج المجد والشهرة درجةً درجة، حتى وصلت إلى القمة
منذ الطفولة وإلقائها برسالة جبران لتكريم شاعر القُطرين، أعجبت الحاضرين وصفّق لها الجمهور وأطربوا أذانهم بصوتها وحضورها ومن ثم ما فاح عطر وكلماتها أدباً وشعراً ونثرًا ورونقًا من حروف وكلمات عبر قلم لا يعرف سوى الحب للغة والعلم والتعلم و عبر قلبٍ لم يعرف سوى الحزن منذ الصغر عندما فقدت شقيقها الياس.
ثمّ فيما بعد عند فقدان الوالد ولو خففت عنها والدتها حزنها، فلم تلبث أن تعود وتفارق الحياة فتعيش مي مجدّداً عذاب الفراق بعد موت سندها الوحيد، والدتها.
لم تعرف سوى الحب في قلبها ولكنها تلقّت الصفعات واحدةً تلوى الأخرى بسبب كونها أنثى طمع في ميراثها أبناء عمومها بها واتّهموها بالجنون ووضعوها في العصفورية مرغمة، مي القابعة في النور وهم أبناء الظلمة.
سجنوها في العصفورية في غرفة. حرموها من حقها في الحرية، حجروها في سجن من عذابات وارغام على الطعام ومعاملة سيئة حتى من الأطباء.
ساعدها الأديب أمين الريحاني كي تخرج منها وما كادت تخرج حتى أُعيدت إلى مستشفى آخر
حياة ملأى بالعذاب والألم وبالرغم من ذلك حافظت على اتزان قلمها ورقتها. وحب الحياة.
مي زيادة لم تكن سوى أنثى، أراد السيطرة عليها رجال، ولم يفلحوا فقاومت بالجسد بالامتناع عن الطعام. ومن ثم ربحت معركة أخرى بمساعدة أصدقاء أو وناس عاشروها وصدّقوها فكانوا لها بمثابة أهل من غير لحمها ودمها عندما خانها أهل الدم الواحد.
غادرت مي بيروت إلى مصر بعد ما فقدت كل ثرواتها على يد ابن عمها، وخانها أهل الدم الواحد.
دافعت عن نفسها بسلاح الكلمة والقلم وبحضور أنيق ومحاضرات علا فيها صوت الكلمات لا صوت الحقد.
مي نابغة وأديبة وكاتبة وشاعرة فشلت في الحب، فكان حبها عذرياً للكاتب جبران خليل جبران بعد جوزيف ابن عمها، حب المرأة البريئة، الحبيبة الوفية، وبالرغم من مراسلات عديدة عبر سنوات لم تلتقِ بجبران النبي وغادرها تاركاً إياها مرة أخرى، في حزنها، في زمن الخيبة واليأس، وألم الفقد.
غادرت مي زيادة الحقد فكتبت في ذروة كفاح أدبي ليالي العصفورية ورسمت عبر خطّ يدها كلمات الشكر لمن ساعدها عبر كتاب المنقذون.
مجد مي زيادة لم ينطفئ برغم غياب جسدها فما زالت المرأة التي تأثر بحياتها كثيرون وكتبوا عنها الكثير من الروايات والكتب.
مريم الياس زيادة – مي خالدة بروحها
وروحها ما زالت ترفرف في قضاء الكتب ونجمها ما زال يلمع حروفا في سماء الأدب العربي والفرنسي عبر ازاهير حلم، إيزيس كوبيا فهنيئاً لك مجد السماء بعد مجد الكتابة ولكِ يا مي في عليائكِ سموّ الحبر والسماوات و فضاءاتها الرحبة ولنا نحن حظ بقراءة حروفك ولو ذرفنا الدموع على سيرة حياة ظالمة أشبعتكِ اليأس وخيّبت لك آمالاً كثيرة.
رنا سمير علم
٨/٠٤/٢٠٢٤