جودت هوشيار
نتحدث اليوم عن قصة حب ملتهبة بين إمرأة روسية وضابط ياباني توّج بالزواج ، وعاشا في اليابان في سعادة غامرة ، ولكن المرأة تكتشف أن زوجها قد كتب عنها وعن كل ما يخصها ، رواية احتلت رأس قائمة المبيعات . واصيبت بخيبة أمل شديدة ، وأحست بالعار . الرواية خدشت حياءها ، وأهانتها على نحو لم يكن بوسعها الإستمرار في العيش معه، فرجعت الى بلدها ، وفي قلبها جرح لا يندمل . اهدي هذه القصة الى كاتبات ( الستريتيز ) في العالم العربي ، لعلهن يكتشفن زيف كتاباتهن البورنوغرافية
لأستجلاء الفرق بين الفن الإيروتيكي الراقي – كما في روايات كبار كتّاب الرواية في العالم وبين الوصف الإيروتيكي السطحي الفاجر ، نتناول بإيجاز قصة رائعة للكاتب الروسي بوريس بيلنياك ( 1894- 1938) بعنوان ” اله الكتابة ” عن حكاية حب مؤثرة بين إمرأة روسية وضابط أجنبي . ففي أوائل العشرينات من القرن الماضي عندما كانت اليابان تحتل بعض مناطق الشرق الأقصى الروسية وبضمنها مدينة فلاديفوستوك الواقعة على ساحل المحيط الهاديء ، وقع تاغاكي – وهو ضابط ياباني ، رفيع المستوى ، ويتقن اللغة الروسية – في حب صوفيا فاسيليفنا غينديغ ، وهي شابة روسية تعمل معلمة في المدينة
وبعد اسبوع واحد من اعلان خطبتهما ،غادر الى بلده بعد ان ترك لها مبلغاً من المال لتغطية كلفة سفرها بالباخرة من ميناء فلاديفوستوك الى مينا تسوروغا اليابانية .وفور وصولها تزوجا رسمياً ، وبذلك خالف هذا الضابط قانون الخدمة العسكرية في بلاده ، مما أدي الى فصله من الجيش وفرض الإقامة الجبرية عليه في منزل والديه على ساحل بحر اليابان. كان الضابط ينحدر من اسرة ارستقراطية عريقة . وقد أثار زواجه من امرأة عادية غضب معظم أقاربه، فقطعوا علاقتهم به .، بسبب إنتهاكه لتقاليد الساموراي الموروثة. . وبذلك أصبح خارج شريحته الاجتماعية ، ولم يعد بوسعه الإختلاط حتى بمعارفه ومعارف عائلته السابقين ، عاش الضابط وزوجته في منزل الأسرة على سفح جبل يطل على البحر
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل
- فلسفة القوة عند نيتشه
- د. حسن مدن يكتب: الانطباع الأول
- ماذا يقرأ محمد صلاح ؟
كانا يمضيان كثيرا من الوقت في قراءة الكتب ، وكان الزوج مشبوب العاطفة ، يتقن فنون الحب التي وصلت اليه عبر ثقافة الأجداد ، تلك الثقافة الغريبة عن الأوروبيين . ففي اليوم التالي لزواجهما قدمت لها حماتها صوراً ايروتيكية مطبوعة على الحرير
كانت صوفيا تحب وتحترم وتخشى زوجها في آن واحد : تحبه لأنه كان قوياً ، ونبيلاً ، وصموتا ، ومثقفاً واسع المعرفة ، ولتضحياته من اجلها . كانت تحبه وتخشاه – من اجل حبه الجارف المهيمن ، الذي كان يتعبها ويتركها منهوكة القوى ، في حين أنه لم يكن يتعب قط . وخلال النهار كان صموتاً ومهذباً وحانياً في نبل صارم . والواقع انها لم تكن تعرف عنه وعن عائلته الا القليل ، وقد تناهى الى سمعها أن والده يمتلك ، في مكان ما مصنعا لغزل الحرير
كان زوجها رجلا مثقفا لديه حاجة روحية – جمالية ، فقد كان يقضي امسياته في غرفته منهمكاً بالكتابة . وبعد عدة أسابيع من إنتهاء مدة إقامته الحبرية ، حدث أمر مثير ، ، حيث تدفق الصحفيون الى المنزل على حين غرة ، وأخذوا يصورونها وزوجها و كل شيء يخصهما. وشاهدت صوفيا على صفحات المجلات اليابانية صورها وصور زوجها : صورتهما معا في داخل المنزل وقرب المنزل ، وخلال نزهتهما على شاطيء البحر ، وامام المعبد . هي في الكيمونو الياباني، هو في اللباس الأوروبي
وقد اخبرها الصحفيون أن زوجها كاتب مشهور ، فقد كتب رواية تصدرت قائمة المبيعات ، وحصل على مردود مالي كبير ، كما انها ( الزوجة ) اصبحت مشهورة على مستوى اليابان
كانت قد تعلمت اللغة اليابانية قليلاً ، واعتادت على دور زوجة الكاتب الشهير ، ولم تلحظ في نفسها ذلك التغير الغامض الذي حدث لها ، فلم تعد تخشى الناس الغرباء من حولها . واصبح من المألوف لديها ان هؤلاء على استعداد دائما لتقديم أي خدمة تطلبها.واصبحت لديها طاهية في المنزل ، وتسافر الى المدينة في سيارة فارهة ، وتصدر الأوامر للسائق باللغة اليابانية ، وعندما جاء والد زوجها لزيارتهما انحنى لها على الطريقة اليابانية اكثر مما انحنت هي تحية له
كانت صوفيا امرأة صموت، وقد اكتسبت خلال السنوات التي قضتها في اليابان رزانة الساموراي ، وقررت ان
تسأل زوجها : ما الذي حدث ؟. لم تكن تتقن اللغة اليابانية الفصحى على نحو يسمح لها بقراءة وفهم الرواية ، لذلك سألت زوجها عن محتوى الرواية ، ولكنه لاذ بالصمت في أدب جم ، ونسيتْ أن تسأله مرة أخرى ، لأن ذلك في الواقع لم يكن بهمها كثيراً
ذات مرة جاء الى منزلهما مراسل صحيفة تصدر في طوكيو .وكان يتكلم الروسية . لم يكن زوجها موجودا ، فأخذا يتنزهان على ساحل البحر القريب من المنزل ويتحدثان حول موضوعات شتى ، وخلال حديثهما وجهتْ سوالاً الى الصحفي عن سبب رواج رواية زوجها ، وما الأمر المهم فيها ؟ وعرفت منه ان الرواية هي عن حياتها بالذات
وخلال الأيام والأسابيع اللاحقة انكبت على قراءة الرواية ولكن ببطأ شديد وبعد عدة أسابيع اكتشفت ان زوجها كان يراقبها في المنزل ويسجل كل خطواتها وحركاتها وعاداتها ، وان الرواية بأسرها هي عن حياتها بأدق دقائقها : كيف تأكل ، وكيف تنام أو تغتسل ، وحركاتها الدالة على الأستمتاع بمباهج أنوثتها ، وارتعاشات جسدها البض ، والأصوات التي تصدر عنها في ذروة لقاءهما الحميمي
لم تكن بوسعها ان تغفر له فضح ادق تفاصيل حياتها الشخصية الحميمة . وعرضها للبيع . لملمت حوائجها الضرورية فقط وصرفت ما كان لديها من نقود مدخرة لشراء بطاقة العودة بالباخرة الى مدينتها فلاديفوستوك . وفيما بعد تجاهلت رسائله الكثيرة اليها
ويمضي بيلنياك الى القول : ” أن الثعلب شخصية مخاتلة في الفولكلور الياباني . الثعلب مطبوع على المكر والغدر و الخيانة . واذا سكن روح الثعلب في الأنسان أصبح ملعوناً . الثعلب – إله الكتابة
تعليقات 1