خلق اللّه الإنسان، وكوّنه بأحس صورة وجعل له عقلًا يتفكّر به، ليطوّر من حياته ويحسّنها، وجعل له قلبًا تسكن فيه المشاعر، الّتي تهذّب حياة الإنسان إذا أحسن استعمالها.
فإذا سيطر العقل على القلب خلت الحياة من كلّ لون، وإذا سيطر القلب على العقل، اصطبغت الحياة بألوان مختلفة مختلطة من المشاعر الّتي تختلف حسب الحالة المزاجيّة للإنسان. لهذا عندما خلق اللّه الإنسان جعل له عقلًا وقلبًا كي يوازن بينهما، فلا العقل يتغلّب على القلب، ولا القلب يتغلّب على العقل، وإلا أصبحت حياة الإنسان جحيمًا لا يُطاق.
من هنا وجُب على الإنسان أن يوازن بين عقله منبع أفكاره وبين قلبه منبع مشاعره.
وهاتان القوّتان؛ إذا صحّ التّعبير، يجب العناية بهما وتغذيتهما.
فقوّة العقل يجب أن نغذيها ونشبعها كي لا تتعطّل، وذلك يكون بالعلم والثّقافة والإطلاع والمعرفة، وكلّ ذلك يصبّ في مصلحة الإنسان الواعي والمدرك لما يريد، فالإنسان مذ خُلِق وهو يسعى إلى تطوير حياته وتحقيق طموحاته وأحلامه، وهذا لا يكون إلا من خلال الانفتاح واللّين والتّفاعل مع الآخرين، والابتعاد عن التّعصّب والتّعنّت بالرّأي ورفض أفكار الآخرين، فأكبر مدمّر للإنسان هو مدى جهله بالأذى الّذي ينفّذه بحق نفسه عندما يكون عقله متحجّرًا، منغلقًا، لا يفكّر ولا يتفكّر، وكأن عقله عاطل عن العمل، فهو يحمل رأسًا، ولكنّه فارغ من التّدبير الحكيم، فالعقل زينة الإنسان. ومن لا يحسن استخدام عقله وأفكاره عاش في ظلمات الدّهر غارقًا بسوداويّته القاتلة.
أمّا قوّة القلب منبع المشاعر والأحاسيس، فلها عناية خاصّة كالعقل تمامًا، أوّلها قوّة الايمان باللّه، وقدرة السّيطرة على المشاعر أيًّا كان نوعها وذلك يأتي من تسليم الأمور كلّها للّه، وأن يخاف الانسان اللّه؛ أي يجب أنّ تكون مشاعره كلّها مليئة بمحبّة الخير للغير، وتمتاز بالنّوايا الصّافية بعيدا عن الحقد والكره والغلّ. فلم أرَ إنسانًا موفّقًا في حياته، إلّا وكانت نواياه صافية مليئة بحبّ الخير للغير، والأهمّ من ذلك كلّه أن يفعّل الإنسان مشاعره الّتي يحاول بها أن يرضي ربّ العباد، لا أن يرضي العباد. فكلّما كان الإنسان متيقّنًا بأنّ هذه المشاعر تحت سيطرته، فسيبقى بخير وأمان وسلام، وكي يصل إلى هذه المرحلة يجب عليه ألّا يقبل بأن يتحكّم به أحد، فلا أحد له سلطة عليه، طالما أنّ الإنسان يسير بالطّريقة الصّحيحة والسّليمة، ويعمل على تطوير نفسه وتحقيق طموحاته الّتي تعلو به إلى مراتب أعلى وأسمى.
فالعاقل في هذه الحياة هو من وازن بين عقله وقلبه، فلم يجعل لأحدهما غلبة على الآخر، حتّى يؤمّن توازنه في الحياة، وإلّا فالعكس صحيح، فمن ترك الغلبة لواحد على الآخر اختلّ توازن حياته، وعاش في متاهات الظّلمة والجهل والظّلال.
وجدانيّات.