
منتدى شرق وغرب الثقافي
رواية جميلة،مميزة ومهمة تراوح بين زمنين الزمن الحالي وزمن ما قبل النفط في الخليج العربي. رواية تضيء على كثير من المواضيع واهمها الانسان وتفاعلاته مع محيطه وظروفه ، وقد أعجبني ان فتاة فاقدة البصر اسمها نوره (الشخصية الرئيسية) كانت هي العين المبصرة التي اضاءت لنا على الحاضر والماضي وعلمتنا الكثير عن الانسان في تحولاته ومآلاته . الرواية كتبت بلغة متينة وجميلة وتتضمن الكثير من المفردات المحكية الاماراتية مما اعطاها مصداقية وجمالا .
ليست رواية طويلة (٢٤٧ صفحة) لكنها زاخرة بالتفاصيل سواء فيما تعايشة نورة في هذا الزمن او ما تعود بنا اليه من تفاصيل ذلك الزمن ايام الغوص للبحث عن اللؤلؤ وصعوبة الحياة وقلة الموارد وعن ايام الحرب العالمية وتأثيرها على الحياة في الخليج، تفاصيل كثيرة تحفظ ذاكرة ليست بعيدة بكل ما فيها البيوت والعلاقات بين الناس التجارة و الاغاني والملابس والاساطير والاكلات وغيره.
تبدأ الرواية وتنتهي مع نورة الفتاة التي فقدت بصرها منذ الطفولة.
نتابع معها تفاصيل حياتها وتحركاتها وعلاقتها مع الأشياء والأشخاص من حولها. حيث عاشت نورة مع امها وجدها وجدتها وكانت الصانعة الفلبينية ايفلين هي التي تهتم بكل شؤونها وهي بمثابة عينها الاخرى ورفيقتها الدائمة خاصة في غياب الدور الفاعل للأم التي بدت عصبية و تهتم لنظرة الناس اكثر من ابنتها، والتي طلقها زوجها بعد ولادة نوره لانهما يحملان ذات الجين المسبب العمى، وقد انعكس هذا الانفصال على شخصيتها وحياتها وابنتها،. اما الأب فما كان حاضرا ايضا وقد وصفته نوره بالضوء الذي يكاد ان ينمحي، فهو لا يهتم بها كما تشتهي ولا يعطيها الوقت ولا الاهتمام والحنان الذين يهبهما لعائلته الثانية.
هناك ايضا الجد سالم الذي يمسك بحبل السرد لذاكرة عائلة ومجتمع ومنطقة من خلال خط مواز في الرواية.
كيف تعامل المجتمع مع فتاة لا ترى لكنها تبصر ، كيف استعانت نوره بحواسها الأخرى لادراك هذا العالم المحيط بها والتعامل معه لقد ابدعت الكاتبة في وصف استخدام الكفيف لهذه الحواس وجعلت عناوين ابواب الرواية حسب اسماء الحواس الاربعة ،باب الصوت،باب الذوق،باب الرائحة وباب اللمس، من ضمن عناوين اخرى معبرة.
كما ان استخدام الصور لاسترجاع الذاكرة كانت فكرة جميلة، الصور التي فتحت باب الحكاية مع الجد سالم والتي برزت كعناوين لفصول الرواية.
جعلتني الرواية اتسائل كيف كانت لتكون حياة نورة دون وجود التكنولوجيا الحديثة والتطبيقات الذكية التي استعانت بها وشكلت محورا اساسيا في حياتها وفي الرواية.
من هذه البرامج المدهشة برنامج seeing AI الذي يقدم شروحا للصور التي تلتقطها كاميرا الموبايل ، وتطبيق be my eyes حيث تستعين نوره عبر الموبايل بمن ينظر لما تسأل عنه ويخبرها بما تريد معرفته. في الرواية ايضا خط روائي آخر مواز بصوت الراوي العليم يعيدنا الى زمن ما قبل النفط في الخليج فنتعرف الى الكثير من تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها وذلك من خلال حكاية الجد علي التي نتعرف اليها عن طريق (العكوس )الصور القديمة الموجودة لدى سالم جد نورة والتي طلبها منها قريبها سيف المهتم ايضا بالتصوير والذي نشأت بينه وبين نورة علاقة حب لطيفة لكنها لم تكتمل ربما بسبب ان نورة لا ترى مع انه هو مصاب بالبهاق. في الرواية ايضا مراسلات جميلة بين الأم وابنها علي وبالاسلوب القديم في كتابة الرسائل كما ان هناك ايضا رسائل الجدة الكفيفة ماري حنا التي كانت تمليها على زوجها فيكتبها والتي اضاءت لنا جوانب اخرى من الحكاية. رواية عن ثلاثة أجيال انصح بقرائتها والاستمتاع بتفاصيلها