كان في ما مضى منَ الزَّمانِ غيمتان صغيرتان تهيمان على وجهيهما في أعالي السَّمَاءِ . مرَّتْ بهما ريح وجمعتهما لتتعانقا وتُصبحا غيمةً واحدةً، ثم سقط مِنْهُما المطر ليتغلغل في أعماق الأرض؛ فنبتتِ الرَّيحانة الحزينة. راحتِ الريحانة تنمو وتكبر، فيشتد عودها، ويزداد جمالها، وينتشر عبقها في أرجاء المكان. مرَّ بها، ذات صباح، النَّسِيمُ العليلُ، فَفُتِنَ بجمالها، وسُحر بشذاها ، وراح يمر بها كل صباح، يهز عودها بلطف، ويشم ريحها بشغف، ويداعب أوراقها برقةٍ . راق للريحانة ما يفعلُهُ النَّسِيمُ، فَأَحبَّتْهُ، كَمَا أحبها ، وتعلَّقَتْ بِهِ، كما تعلَّق بها، إلى أن جاء يومٌ ، راحت تنمو فيه شجرة، تكبر يومًا بعد يوم، إلى أنْ حالَتْ بينَ النَّسيمِ ومحبوبتِهِ الرَّيحانة، وكلما حاول الوصول إليها، وقفت تلك الشَّجرة عائقًا بينه وبينها، احتار النَّسيمُ في أمره، ولم يدر ماذا يفعل، بينما الريحانة اعتراها الحزن، وعصر قلبها الألمُ ؛ فراحَتْ أوراقها تذبل، وعودها يصفر، وعطرها يتلاشى طال الانتظار ، إلى أن خطرَتْ للنَّسيمِ فكرة؛ ماذا لو استعان بالريح، فهي أشدُّ مِنْهُ قوَّةً، وتستطيع اقتلاع الشجرة، وهذا الذي كانَ؛ هَبَّتِ الرِّيحُ قويَّةً، واقتلعت الشجرة من جذورها ، ولكن … اقتلعت الريحانة الحزينة معها ، لتطير في الفضاء، وتتناثر أوراقها في الهواء …