كتب ووثق تحسين أحمد التل: قبل أن نتحدث عن الشماغ الأردني، علينا أن نبين أصل لباس الرأس والعقال الذي يوضع فوقه ومن هي أول منطقة قامت باختراع هذا الغطاء، وفيما بعد أصبح رمزاً لبعض الدول، مثل دول الخليج العربي، وفلسطين، وسوريا، ولبنان، وعلينا أن نوضح أيضاً الفرق بين الشماغ الأردني، وأغطية الرأس المستخدمة في الدول العربية.
أصل الشماغ أو (الشماخ، والكلمة مأخوذة من الشموخ، والإباء، وعزة النفس)، يعود الى المملكة الأدومية، وهي جزء من الممالك الأردنية السابقة؛ قبل ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة خلت، استخدمه ملوك أدوم، ومؤاب، وعمون، والأنباط، وغيرها من الممالك التي حكمت الأردن وما حولها من مناطق، وكانت ممالك ذات قوة لا يستهان بها بين الممالك القديمة في المنطقة العربية.
يُعد الشماغ الأردني، بلونه الأبيض والأحمر؛ رمزاً من الرموز الوطنية، شأنه شأن شجرة الملول الأردنية: (البلوط)، والعصفور الوردي الأردني، وزهرة السوسنة الأردنية السوداء، وهي رموز وطنية أردنية عظيمة، ضاربة في عمق التاريخ والحضارة، وكانت الدولة الأردنية استخدمت هذه الرموز على العملات الورقية والمعدنية المتداولة منذ زمن بعيد.
أصل الشماغ الأردني، وبكل بساطة مأخوذ من ألوان العلم الأردني، وتحديداً من اللون الأحمر؛ (السهم) الداخل في عمق اللون الأبيض، أما بقية الألوان: الأسود، والأخضر فهما كبقية ألوان الأعلام العربية، لكل لون رمزية معينة، وهذه الألوان استخدم بعضها في علم الثورة العربية الكبرى، كما أن لها دلالات كثيرة وردت على ألسنة الشعراء.
استخدم المواطن الأردني قديماً؛ أغطية متعددة للرأس، منها: العثمانية الملونة، والأشمغة الخضراء، والعُقل المربعة، والمقصبة باللون الذهبي، وبعد إسقاط الخلافة في تركيا؛ استخدم المواطن العربي والأردني بالذات (القلابق التركية، مفردها قلبق)، وهي أغطية مفلطحة لها ارتفاع معين، لونها أسود مصنوعة من الصوف أو القطن، تيمناً بما كان يستعمله الأتراك بعد انهيار الدولة العثمانية.
ثالثاً؛ استخدم المواطن الأردني (القضاضة البيضا)، وهي ثقيلة القماش، وأحياناً خفيفة تسمى (الشورة والعقال)، تطوى كالشماغ، ويوضع عليها العقال الأسود، وقد سادت وانتشرت بين أبناء الشعب الأردني، وظلت تُستخدم حتى يومنا هذا، وأذكر أن والدي وغيره من رجالات البلد، كانوا يرتدون (القضاضة) البيضاء باستمرار، بالإضافة الى الشماغ الأحمر.
الشماغ الأحمر هو رمز وطني شريف، ومقدس، وثمنه عند من يقدره أغلى من الذهب، نحن نتحدث عن قيمة لا يقدرها إلا أبناء الوطن، الذين يؤمنون بأن الشماغ الأحمر متفرد في رمزيته؛ مثله كمثل العلم الأردني، ورمزية المنسف الأردني، وشجر الملول، والسوسنة السوداء، والعصفور الوردي، والبترا، ووادي القمر، وجرش، وفيلادلفيا، وأرابيللا، وغيرها الكثير الكثير من الرموز والآثار التاريخية التي نحافظ عليها نحن أبناء الوطن الأردني منذ آلاف السنين، رموز متشابكة خاصة بالمواطن، لا يوجد لها شبيه في الدنيا كلها…
معروف عن الشماغ الأردني أنه مرتبط بغضب المواطن، فإذا غضب؛ عمل على (طق اللصمة، تلثم أو كما يقال؛ تلصّم)، وهذا يعني أنه ارتدى الشماغ ووضعه على فمه وأنفه حتى لم يعد يظهر من وجهه سوى العينين، مما يعني أن الغضب وصل الى أعلى مرحلة عند الأردني، ويقال أيضاً أن الأردني إذا ارتدى الشماغ بالمقلوب؛ هذا يعني أن هناك أمراً عظيماً استدعى ذلك، ربما يتعلق بالثأر، أو عدم السكوت على باطل، والأردني الذي يرتدي الشماغ بالمقلوب هو (طالب ثأر)، وأنه لا ينسى ثأره على الإطلاق…
أما إذا ارتدى جنود الجيش الأردني الشماغ بالمقلوب مع (طق اللصمة – اللثمة من اللثام)، فذلك يعني أن الصبر نفد أو على وشك، وأن من يمس أمن الوطن والمواطن سيكون الرد عليه حاسماً، وحازماً، وشديداً، وستُقطع اليد التي تتطاول على وطننا، وأرضنا، وشعبنا …
ملاحظات مهمة على التقرير:
(1)
تشير العديد من المصادر الى أن إسم الكوفية التي يرتديها أبناء الشعب الفلسطيني؛ مشتقة من مدينة الكوفة في العراق في القرن السابع، وهي تشبه شبكة الصيد والأمواج المتصلة بنهر الفرات، بينما يرتدي الشعب الأردني الشماغ الأحمر وهو مأخوذ من أغطية الرأس المستخدمة من قبل الممالك الأردنية السابقة التي ذكرناها في التقرير، مع تعديلات على شكل ولون الشماغ، بعد استخدام العلم الأردني.
(2)
أما العُقل المستخدمة في السعودية فهي مقصبة ومذهبة، ومربعة الشكل، وعند أهل العراق غليظة، توضع على الرأس دون تثبيت، وعند أبناء الأردن العقال خفيف الوزن، يتم تثبيته على الرأس حتى يحافظ على الحطة، أو الشماغ من الحركة.
(3)
بقي أن نعرف أن هناك العديد من الألوان المستخدمة في كل دولة عربية، هناك اللون الأبيض (القضاضة البيضا)، واللون الأخضر ويستخدم في العراق، واللون الأبيض والأسود (الشبكة)، ويستخدم في فلسطين، واللون الأحمر في الأردن… وهكذا.

الكاتب والإعلامي تحسين أحمد التل
مستشار إعلامي سابق لجامعة جدارا الأردنية.
رئيس مركز (حق) للتنمية السياسية حالياً.