إيمان مرشد حمّاد
هل يخطر ببالنا عندما نلتقي قريب أو صديق أو زميل في مكان ما ان هذا هو اللقاء الأخير؟ ترى لو عرفنا ماذا كنا سنفعل؟ هل سنعتذر عن أي خطأ غير مقصود؟ هل سنحاول التخفيف من هول الفاجعة على الراحلين؟ هل سنطلب المسامحة أم سنخبرهم أننا نسامحهم على اي موقف كان لهم معنا مهما كان ؟ أم هل ترانا سنصمت ونخفي خوفنا ونبتلع هلعنا دون أن ننبس ببنت شفة؟
يوم الأحد 5/ 6 كان آخر لقاء مع الاب الروحي لقسم اللغة الإنجليزية د. عودة عودة عند مدخل قسمنا. كنت لم ألتقيه منذ فترة. كان يمشي بوهن ولكن بعزة فمنذ أن عرفناه لم يفصح يوما عن مرضه لكأني به قد قرإ أفكار ال Hemingway hero الذي يحتفظ بعنفوان الكرامة الإنسانية في أحلك الظروف. سألته عن صحته واحواله وانا أشعر بتقصير البنت نحو والدها سيما وانه كان يناديني ( يا بنيتي) ، وخاصة في بداية حياتي الأكاديمية ، ثم بعدها أصبح يناديني ( أم يوسف). المهم أجابني بقوله : “مدحرج” ولا اعرف حينها لماذا شعرت أني أحادث Vladimir بطل مسرحية Waiting for Godot ثم صمت. فقد اعتاد الدكتور عودة على الكلام المختصر وكأنه من اتباع ال minimalist approach. قلت له: ” انا لن أدرس في الفصل الصيفي ” قال : ” هذا الأحسن ” فكثيرا ما يقوم الآباء وكذلك الامهات بأعمال من منطلق المسؤولية الأبوية وليس من منطلق الرغبة بالشيء. ذكرني هذا الجواب بأحد المرات عندما ابتعت بعض الملابس لأولادي فارادت سكرتيرة القسم أن تلقي نظرة عليها. وبينما نحن كذلك دخل علينا د. عودة وكان حينها رئيس القسم . ارتبكنا وشعرنا بشعور يشبه ما تشاهده في المسلسلات عندما يدخل رئيسك في العمل ويمسكك بالجرم المشهود وأنت تقوم بأشياء شخصية. ولكن المدهش كان موقف د. عودة عندما طلب مني أن ينظر ل ( شورت كاوبوي) ابتعته لابني ، وسألني من أين اشتريته ، وبعدها اشترى لأولاده الصغار مثله وعندما غادر المكتب آخر النهار نحو قريته كان محملا بالهدايا والملابس والألعاب لأولاده وها هو الآن لا يزال يعمل من أجلهم
المهم بعد هذا اللقاء العابر انطلق د. عودة نحو مبنى الإدارة”. وبتاريخ 8 /6 صباحا عرفت بخبر وفاة الدكتور عودة رحمه الله بينما كان طلبته بانتظار وصوله إلى محاضرة الساعة الحادية عشرة. سبحان الله ما أغرب هذه الدنيا نبدأ يومنا بترتيب مهامنا والتحضير ليومنا ولكن لا نعرف أين سننام في نهاية النهار ومن منا سيدرس ومن منا لن يدرس فقد يتوجب علي ان ادرس بعد هذه الفاجعة