موجعة هي الكوارث الطبيعية التي تحدث في بلدان مختلفة في العالم، وكنا خلال الأشهر القليلة الماضية شهوداً على بعضها في تركيا وسوريا، وأخيراً الزلزال الذي ضرب مناطق في المغرب وأودى بحياة آلاف البشر، فضلاً عن أعداد المصابين الكثر، والذين أصبحوا بلا مأوى، والدمار المهول الذي طال المنازل ولم تسلم منه حتى بعض المواقع الأثرية التاريخية، ليليه مباشرة إعصار دانيال في ليبيا، والذي طال بدوره عدداً من المدن والقرى الساحلية شرقي البلاد، فيما تستمر عمليات البحث والإنقاذ في مدينة درنة، حيث جرفت السيول منازل وعمارات بكاملها نحو البحر، وانتُشلت آلاف الجثث في المدينة المنكوبة وحدها، ويتحدث سكان مناطق أخرى على الساحل الشرقي عن أوضاع كارثية وعشرات المفقودين والضحايا جراء السيول.
موجع أكثر أن تحدث مثل هذه الكوارث في بلدان عزيزة علينا مبتلاة بالحروب والنزاعات والفتن، وأبعد ما تكون أوضاعها عن الاستقرار، في غياب للدولة كسلطة مركزية تضمن وحدة وسيادة أراضي هذه البلدان، وتملك القدرة على التعامل مع كوارث بهذا الحجم، كما هي الحال في ليبيا، وقبلها سوريا، وقبلها لبنان الذي هزّ عاصمته الانفجار المروع في المرفأ، لينطبق على وضع كهذا القول الشهير: «المصائب لا تأتي فرادى».
وحول هذا القول تفاوتت الآراء بين قائل إنه أتى على لسان شكسبير في الجملة التالية المنسوبة إليه: «المصائب لا تأتي فُرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش»، وبين من يشير إلى أن أصل هذا التعبير موجود في قول شاعرنا الكبير أبي الطيب المتنبي: «مصائبُ شتّى جُمّعتْ في مُصيبةٍ/ ولَمْ يَكْفِها حتى قَفَتْها مصائبُ». ولو أخذنا بما قاله المتنبي لرأينا أن بلداناً كليبيا وسوريا ولبنان وسواها لم يكفها ما هي عليه من نزاعات وحروب وتدخّلات القاصي والداني حتى يُفاجأ أهلها مذعورين بكوارث كتلك التي عرفتها.
ما أكثر ما تغضب الطبيعة، ويكون غضبها في كثير من حالاته مدمراً ومخيفاً على النحو الذي رأيناه قبل أيام في المغرب وليبيا، وهي حال تتكرر في بلدان أخرى مختلفة في قارات العالم شهدت نسخاً متتالية من «تسونامي»، ومن حرائق الغابات، ومن الزلازل، والهزّات الأرضية، وما إلى ذلك.
والحكمة تقتضي أن يوقف البشر حروبهم العبثية ويتفادوا أسبابها، ويديروا شؤونهم وشؤون بلدانهم بالعقل والحكمة والعدل وضمان الحقوق كما تقتضيه الفطرة السوية، ويركزوا جهودهم على ما يؤدي إلى نهضتهم ورقيهم وتطوير مجتمعاتهم، ويغلّبوا مبادئ التعايش الأخوي وحسن الجوار واحترام سيادة البلدان، ويوظفوا الإمكانيات والقدرات لا للعيش الكريم وحده، وإنما للسعي إلى توفير كل ما من شأنه تفادي أو تقليل عواقب أي وجه محتمل من وجوه غضب الطبيعة.