بقلم : د.اسامة معمر
في يوم من أيام الخريف الباردة تفاجأ سكان باريس من اعلانٍ في احدى الصحف اليومية و مفاده ان إدارة المدينة قد قررت إغلاق احد أفخم المطاعم فيها دون سابق انذار. كان وقع الخبر مدوياً و سُمع صداه على امتداد رقعة العاصمة الفرنسية الأنيقة. فهذا المطعم يُعد أحد أهم المعالم السياحية في فرنسا، كما يُعتبر منجماً للذكريات لكل مشاهير و نجوم السينما و الغناء في العالم ، فعندما تدخل إليه ستفاجأ بالكم الهائل للصور الملتقطة مع ألمع النجوم وأشهر الشخصيات مثل الأميرة ديانا و الرئيس فرنسوا ميتيران و مغني الأوبرا العظيم بافاروتي و من شابههم من شخصيات عالمية مؤثرة
كان المظهر الخارجي للمطعم قمة في الجمال و الاناقة ، الأرضية مغطاة بسجاد فرنسي ازرق اخّاذ، الطاولات مصنوعة من رخام إيطالي روعة في الجمال، المرايا العملاقة تكاد تلامس سقف المبنى لارتفاعها. ولكن كل هذا البريق في المظهر لم يشفع له عند مديرية المطاعم إذ انها و نتيجة لشكوى تقدم بها شخص مجهول اكتشفت أن المطبخ مخالف للشروط الصحية الاساسية التي ينص عليها القانون الفرنسي في تخزين الغذاء و طهوه، لا بل تم العثور على بضعة فئران تسرح و تمرح في احدى غرف التخزين. فكان لا بد من إغلاق المكان و تفريغ كل ما فيه و إعادة فحصه من جديد و إعطاء أصحاب المطعم فرصة أخيرة في معالجة المشكلة قبل تشميعه بالشمع الأحمر. إني أسرد هذه القصة لاظهر وجه التقارب بين هذا المطعم الفاخر و الإنسان وأخلاقه. فبالرغم من أن المظهر هو أحد أهم الاسباب لقبولنا شخص ما أو نفورنا منه في الخمس دقائق الأولى على الاقل ، إلا انه يجب توخي الحيطة و الحذر في اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بعلاقتنا بهذا الانسان او ذاك فقط لمجرد اننا اعجبنا بالمظهر الخارجي له. ان ما يعكس جوهر الانسان الحقيقي هو ما يقوم به في الخفاء و عندما لا يوجد عليه رقيب او حسيب. وإن السمات الشخصية الحقيقية تلك التي تظهر في أوقات الشدة و عند المحك و في وقت الظروف الصعبة و في ساعات الخوف و انعدام الأمان. وكل هذا سيحتاج علاقات طويلة الأمد كي تكشف عنه الغطاء لتظهر ما يخبئ ( المطبخ) من أمور كانت مخفية و بعيدة عن عيون كل الزائرين. هناك الكثير من الناس قادرين على توهيمك ما يريدون عن أنفسهم و لفترات زمنية طويلة قبل أن تكتشف أن ما قاله الشاعر صحيح تماماً
لا يخدعنَّك ظاهرٌ من باطنٍ
حتى يصدّقه لك البرهان
كم ظاهر قد غرَّ وهو مزورٌ
ولربّما خدع القلوب لسان
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي