ما زال اللّبنانيون حتى اليوم يردّدون في سهراتهم، أسطورة “الأربعين حرامي” متسامرين بها وبغيرها من أساطير.
هذه الأسطورة، ترجع إلى حادث ألمح المؤرّخون إلى وقوعها في لبنان الشّمالي، وقد كان أبطالها أربعين شابًا من الأحباش، قدموا لبنان بطريق القطر المصري، وذهبوا إلى دير قنوبين، وطلبوا أن يُقبلوا في سلك الرهبان، ويتقيدوا بطريقتهم. فلم يتردد رئيس الدير المطران بطرس عن ردهم والاعتذار إليهم بضيق المكان، عن أن يستوعب مثل عددهم دفعة واحدة.
طالت إقامة الشّبان الأحباش في دير قنوبين، وألحوا في التماس قبولهم في السّلك الرهباني، ورُفع أمرهم إلى السّيد البطريرك، فرضي بعد تردد بأن يعطوا دير (بان) الواقع إلى الجهة الجنوبية من إهدن المعروف بدير الفراديس.
استقل رهبان دير الفراديس بديرهم، ولم يلبثوا أن ضموا إليه بعض الأملاك في جهة عين السّنديانة الواقعة فوق طورزا، وكانت هناك مغارة منيعة في الجبل، فأنصرفوا الى إصلاحها، وأقاموا على بابها قنطرة في أعلاها كوّة بشكل صليب وأحاطوها بسور عالٍ، لا يؤذن لأي كان بتجاوزه ودعي ديرهم دير الأحباش بدل دير الفراديس.
كانت الجبّة عرضة لسطو عصابة من اللّصوص، تعبق فيها فساد، فكانت تهبط في اللّيل على المنازل، وقد لفّوا روؤسهم بكوفيات قاتمة اللّون تخفي عن الأنظار سنحتهم ويفتكون وينهبون، قد لوحظ أنّهم كانوا يستقلّون جيادًا، يسمرّون نعالها مقلوبة إخفاءً لوجهة سيرهم ويلفّونها باللّباد اخفاءً لصوت حركتها.
وقد رُفعت الشكاوى مرارًا من أعمال هذه العصابة، إلى مقدم بشراي الشّدياق يعقوب الملقّب بالكاشف، وإلى مقدم الحدث حاكم الجبّة حيث كثرت السّرقات.
ذات يوم خرج الكاشف من منزله في بشراي، وجلس تحت شجرة الجوز القائمة إلى جانب الكنيسة، ليحكم في ما يعرض عليه، وإذ بأحد رعاة ماعزه يقف بين يديه، ويبلغه امرًا خطيرًا: “أضعت اللّيلة الماضية معزاة من القطيع في الجهة المجاورة لعين السّنديانة، غادرت القطيع مع كلبي الأسود شيبوب ووجهتي تلك الناحية أبحث فيها، اهتدى الكلب إلى طلبه إلى أن بلغ المغارة فزجرته فأزدجر وأخذ يهمهم، مرّت بي هنيهة، حتى لاح لي تحت جنح الظلام، رجال يحملون اسلابًا، معهم امرأة مغلولة اليدين، لم يسعني عندئذ إلّا الابتعاد مخافة أن يُكشف أمري، فيكون الموت نصيبي.
وللحال أمر المقدم أحد أمناء قادة عسكره، فلبى هذا القائد أمر مولاه، وكان المقدم قد تيقن أنّ تلك العصابة المجرمة، ليست إلّا اولئك الغرباء عن لبنان.
دخل المغارة بعد تحطيم بابها فاطلق سراح النسوة والفتيات وأعاد المنهوبات إلى أصحابها.
ثبت الجرم على اللّصوص، فنفّذ فيهم جميعًا حكم الموت شنقًا في ساحة بشراي، وبقيت جثثهم الأربعون معلّقة هناك، لتكون عبرة وذكرى للناس أجمعين ولا سيما للطارئين الذين يستقبلهم لبنان بالترحاب.
المصدر: أ. يوسف طراد، مختصر عن لحد خاطر (أحداث وأحاديث من لبنان).
