الناقد والأكاديمي التونسي: الدكتور عبد الباقي جريدي
الحُلْم المُرُّ
“سويت أمريكا” رواية في سبع عشرة وثلاثمائة من الصفحات للشاعرة الجزائرية زينب الأعوج وهي العمل الأول الذي جعل منها روائية تخوض غمار تجربة جديدة صادرة عن منشورات الوطن اليوم .وردت هيكلة بنائها كالتالي
عنوان وتصدير / وثمانية فصول
عبور / ترميم / ضغينة / إشارات / رحلة / اختطاف / القتيلة / رأيت حلما
وفي هذا النّص الرّوائيّ امتداد لاهتماماتها الشّعريّة من حيث الموضوع وتشابه عناصر الاهتمام وفي الرّواية تقاطُع مع بعض أعمالها الشّعريّة تذكر في ديوانها عطب الروح نعتا للزمن تقول
هذا الزّمن
يتعقّبنا بكل انكساراته
وبضجيج صمتنا الرهيب
يغرس فينا المسامير
والأوتاد
يوصد أبوابه
وكأنها تحول هذه الاهتمامات من الشعر إلى السرد من خلال تسريد هذه النصوص الشّعرية . وتطرح قضيّة الميز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكيّة فتطرح سؤالا مركزيّا هل كان الحلم الأمريكي حلما ممكنا للجميع ؟أم هو مجرد وهم زائف وحلاوة زائلة بمجرد نزع القشور تظهر مرارة النواة القائمة على الأحقاد والضغائن .فــــــــــــــ”
هنا تموت الابتسامات
تتكفن في عمق الشفاه الباردة
لا شيء هنا يعلو
على يد الموت البطيء
ولا شيء يطغى على طعم الرماد ”
فتبدو الرّوح معطوبة في سويت أمريكا وتنهل من معين خصب من الخسارات
أولها التّصدير الذي ينفتح على مارتن لوثر كينغ
“علينا ألا نروي عطشنا بالشرب من كأس المرارة والضّغينة”
مارتن لوثؤر كينغ 28أوت 1963 من خطابه IHAVE ADREM
ويرتبطُ هذا النّص بمسيرة رَجُلٍ وبأقوال خلّدت تجربة مُناضل حقوقي وُسم نضاله باللاّعنف وباعتماده الأساليب السّلمية للمقاومة . ..فهذا الاستدعاء لفضاءات وأزمنة مختلفة يطبع النّص بفضائية مخصوصة لأن فضاء التصدير. هو فضاء بصري وهو كذلك فضاء دلالي يُحيل على الولايات المتحدة الأمريكية.والاستشهاد كما ذكر أنتوان كمبانيون (Antoine compagnon. )” حركة ثقافيّة تقيم علاقة بين نصيّن ” أو تمسّك بعزلة النّص أو هو “جراحة تجميلية، ومن المُؤلّف” طبيب التّجميل والجرّاح والمُعالج “الذي يشُدّ بدبّوس قطعا مُختارة للتّزيين ويلحمها بجسد نصّه. ومع الدّقة في الإنجاز تصبحُ النّدبة (المزدوجتين) –-الكتابة بخطّ سميك – ليست مجرّد زخرف إضافي يدُلُّ على تماسّ قوي وعلى دعوة حارّة للتّعارف”
حكاية سويت أمريكا الحلم الزائف
حكاية سويت أمريكا قصة عائلة متكونة من أربعة أشخاص
– جيل أوجلال مهندس معماري مرمّم لدور العبادة .عربي يُظن أنه مسلم
– كايا زوجته اليهوديّة الهندية
– البنت ناويمي اليمنية اليهودية
– والبنت يامي الأفغانية المسلمة من أب بيولوجي أفغاني . وتعني الأمان
تنطلق أحداث النص من وقائع مظاهرة وأعمال عنف تنجزها بعض الأطراف العنصرية في قلب المدينة في فضاء فريلاند وتحديدا الغربية و في استدعاء واضح لعصابات KKK كوكلوس كلان واستحضار شعارات ” اُخرجوا أيها الغرباء لا نريد مسلمين في وست فريلاند “. ومن بين الشخصيّات المؤثّرة في الرواية المساعد اللاّتيني فريديريكو دي لا مارتا وغارسيا خوسي المتهم بالتحرش الجنسي من جاكلين ( لنعرف أنها مجرد مؤامرة للتخلص منه ) .هنا تحضر الجزائر في منطوق الشخصيّات وتحديدا في خطاب الشخصيات حضورا ذاكريّا يمُد النص إلى جذور متنوعة من خلال ” وصف الشخصية مالك المقهى سيء السمعة لايتكافي. ( ميسيو باسكال ) عضو في منظمة اويس oas . التحق بفري لاند وهرب من وهران و له جرائم بشعة في حق الشّعب الجزائري يقول : أحرقت عشرين بانيول : الأوغاد العرب .وقد علق في احدى القاعات ” رأس عربي مجفف ..” يزين به القاعة ..” وتحضرُ كذلك مدينة وهران في حوار بين آري وصديقيه العنصريين
وتظهر الأحداث في تدرج نحو المأساة فتبدأ بالتظاهر وتنتهي بالاغتصاب والقتل والتفجير يتوسطها شطب صور مارتن لوثر كينغ والرئيس لنكولن. ومن بين الأحداث المؤثرة في الرواية موت المغنية نانا المغنية الراوندية غيلة على يد عصابات التطهير العرقي بعد الاغتصاب والاختطاف من قبل هذه العصابات هذه المغنية التي يكرهونها ويحبون غناءها وفي الشخصية استدعاء للمغنية ماريام ماكيبا أو مما أفريكا المغنية الجنوب افريقية المناضلة بصوتها ضد الميز العنصري
ورغم تسامح جيل وعمله على ترميم الكنيسة واحترامه للديانات على اختلاف أنواعها وجدنا هذه العائلة تتعرض إلى أبشع أنواع التمييز العنصري عند قدوم الأب جلال لترميم كنيسة قديمة مهملة للقص دون أرنيستو مالكوم الحامي الذي تعرض للقتل بسبب رفضه التطهير العرقي وحمايته للأقليات .وكأن هذا الإرهاب الأبيض لم يغفر له تسامحه مع الآخرين ورغبته في العيش المشترك دون ضغائن أو أحقاد
عادت بنا الرّواية إلى سيرة هذا الكاهن وإلى انقاذه لمجموعة من الأقليات وتضحيته بحياته من أجل إيمانه بفكرة التّعايش. فقد حاول إنقاذ هذه الشخصيات ” البحار والسينمائي والشاعر والممرضة ” هذا التنوع يحمل رمزية ودلالة البحار البسيط المولع بالبحر وبالطبيعة والسينمائي هذا الذي يختزل الفنون وما تحمله من رقي والشاعر الحالم صانع المستقبل والممرضة بلسم الجراح وملائكة الرحمة. لذلك سعى جيل إلى إعادة الاعتبار له ولبيته ولترميم الكنيسة يقول : “يجب أن تبقى هذه الأرض خالية من الأشكال المفسدة والوفاء لصاحب البيت الذي ضحى بنفسه من أجل الآخرين “
هذه الرمزية في رسم ملامح الشخصيات التي حاول أن ينقذهم الراهب على اختلاف دياناتهم تعكس رؤية وتكشف تصورا يبين أن هذا الميز العنصري عميق ومتمكن طال كل أفراد المجتمع دون تمييز
ويبدو فضاء المقهى المقر العلني للعنصريين لا يت كافي فضاء متعفنا آسنا يعري مثل هذه الممارسات ويتوجه بالإدانة إلى بعض عناصر النظام الذين يغضُّون الطرف عن مثل هذه الممارسات رغم تسامح جلال وسعيه إلى تحقيق مفهوم العيش المشترك من خلال عائلته المتنوعة والمختلفة وقد ورد في النّص ” الأديان علامة للنُّور وليست لتربية الظلمة والأحقاد ” كما ينفتح النص على الموسيقى باعتبارها من الفنون الجامعة والموحّدة. وكأنها تقدم البديل الفني والصوت الجامع لكل المتفرقين .فيتسم النص بالانفتاح على الموسيقى موسيقى لويس أرمسيترونغ وأغنيته الحالمة التي تقول
” أرى الأشجار الخضراء /وأرى الزهور الحمراء أيضا وهي تتفتح/ من أجلي ومن أجلك وأقول لنفسي / ما أجمل هذا العالم : وكذلك موسيقى برايان آدامز وأغاني جينفير رو ش.”
لذلك وجدنا النّص ينفتحُ على الحلم، رغم قتامة الواقع فتظهر شخصية البنتين العاشقتين للفنون : شخصيّة يامي المغنية / ونويمي العازفة . وكأن الفن سيكون حلا لدفن هذه الأحقاد حلما جامعا به ربما يكتمل الحلم الأمريكي ليصبح حلما للجميع. أقول … ربما ؟؟؟
تعليقات 1