على خط الافق بدأ يظهر خط النهار ليغلب الليل، مستيقظاً أتامل جمال الكون وحركته المنتظمة! وأرتشف قهوة الصباح! رن هاتفي إذ برفيقي ليسألني قبل القاء التحية! أتعرف معلم نجاره؟ لم أتفاجا من اتصاله باكراً، ولكن الدهشة كانت سؤاله، قبل أن يقول “صباح الخير”.
نجار وفي الصباح الباكر؟ أجبته. اشرح لي أكثر، ولماذا أنت على عجلةٍ من أمرك، مردداً لي، عفواً سمير غلبتني العصبية اليوم، الباب الوحيد الذي يأتي شخصٌ دائماً ليصلحه، وبعد فترة قصيرة، تعود المسكة وتخرج من مكانها، ولا نستطيع إغلاقه بشكل جيد! هنا أردت أن اهدئ من انفعاله ولو قليلاً، وسألته: كم مرة حدث هذا العطل في نفس الباب؟ ليجيبني، عدة مرات. قاطعته: هاني، هل العطل في مسكة الباب؟ أم في الباب بحد ذاته، ومن حدد موقع العطل؟ لينفعل سمير أنت دائماً كثير الاسئلة وتدور وتبحث لحل أي مشكلة تعترضك.
هاني أكيد يجب عليك أن تتأكد من المشكلة، لماذا حدثت وكيف وما السبب، ومن ثم تقوم بتجزئتها لتبدأ بحلها. حسنا سمير سوف أحدد السبب لاحقاً، ولكن الآن انا بحاجة إلى النجار، اسألُكَ، لأنني منذ اسبوعين، شاهدت النجار في منزلك يركب شيئاً في الصالون. لا بأس سوف أتصل به واطلب منه أن يذهب إلى منزلك لمعاينه الباب والعطل. سأُرسل لكَ رقم هاتفه، اتصل به لترشده إلى العنوان، وانا أزورك بعد ظهر اليوم لأتأكد من الموضوع.
هاني: شكراً سمير أكيد سوف أتصل به، وأهلاً وسهلاً بك.
توجه سمير إلى عمله كالمعتاد، وكان موظفاً مراقباً للجودة في شركة لإنتاج الأجبان والألبان، وكان يفكر بعصبية رفيقه هاني، وكيف كان منفعلاً باتصاله صباحاً، ولم يستطع سرد القصة بطريقة هادئة! مع العلم بأن المشكلة، باب في منزله فقط! يا للعجب كيف نتوه أحياناً في أصغر الأمور ولا ندرك، أن معظم ما يحدث لنا هو من سوء تصرفاتنا، ونكون نحن من نُوصل أنفسنا إلى ما نحن عليه! بلحظات استعجال ووتيرة زائدة، نضيع ولم يعد بإمكاننا حل أي مشكلة نواجهها. يا للعجب من فكرنا كيف يتخبّط، ليتحول ليصبح عدائياً وسلبياً! سوف أنهي عملي باكراً لأزور هاني وأطمئن عليه، أكيد السبب ليس مسكة الباب! بل هناك سببٌ أهم وراء عصبية وانفعال صديقي!
في ذلك النهار، هاني لم يذهب إلى مكتبه، وقرر أن يبقى بمنزله، خوفاً من حالته وسوء مزاجه. وعندما أصبح وقت الغداء، كانت قرعت والدته باب الغرفة، وقالت له أن الغداء جاهزاً، وهي قلقةٌ عليه، حتى أنه لم يتناول الفطور يومها، ولم يغادر الغرفة. فتح باب الغرفة والذي كان هو سبب انفعاله وابتسم لوالدته، وذهب معها إلى المطبخ حيث يتناولان الطعام معظم أيام الأسبوع. وضعت الوالدة الطبق الذي اعدّته له. وكانت تهم بسؤالها عن بقائه في المنزل، ولماذا كان يصيح على الهاتف باكراً. انتهى وقت الطعام، شكر هاني والدته، قبّلها وعاد إلى غرفته دون أن يخبرها سبب انفعاله صباح هذا اليوم. حضرت الوالدة القهوة، وطلبت من هاني أن يشاركها الجلوس على الشرفة، وبينما كانا جالسين نظر إلى الطريق العام، ليرى رفيقه سمير متوجهاً إلى منزله، ولم يتوقع زيارة سمير. ولكنه رحب به وشاركهما سمير القهوة. وهو يراقب حركة هاني، الذي كان في حركة دائمة، في حيرةٍ من أمره! في تلك اللحظة أكد سمير بأن المشكلة ليست الباب الذي تعطل، بل هناك أمراً أخراً ربما أكثر تعقيداً.
وقف سمير ممازحاً، هاني، دعني أرى هذا الباب! وما أن وصل سمير وهاني إلى أول الممر المؤدي إلى غرف النوم، ليهمس بإذنه هل هذا كله، سبب الباب؟ نظر اليه هاني وقال: بعد اتصالي بك صباحاً ظننته السبب. من عدة أيام تلقيت في المكتب طلباً لوظيفة من أحد الأشخاص، ونحن بحاجة ماسة إلى ملئ الفراغ الحاصل في الإدارة. وكانت CV السيرة الذاتية منظمة ومهمة بمحتواها. وأول ما أخذت الأوراق من السكرتيرة، نظرت إلى الاسم في أعلى الصفحة، وإذ بي أقرأ اسم حبيبتي الأولى من أيام الدراسة في الثانوية، وكنا وقتها عاشقين كطيور الحب! وكنا رمزاً للحب والاخلاص لبعضنا، ولكن في تلك الأيام في أول نشأتنا، لم نكن نستطيع أن نؤسس عائلة، أو أن نبقى سوياً، لأن والدها كان متسلط على عائلته، فرضخت لطلبه، ننفصل بعد تهديده لي، وخوفاً منه وعلى حبيبتي، افترقنا ولم نعد نلتقي، لا بالمناسبات ولا بالحي. ثم وبعد فترة طويلة، عرفت بأن والدها فارق الحياة للأسف، رحمه الله، ولكن لم أتجرأ أن احضر الجنازة حينها، والآن لا أعرف ما هو وضعها الاجتماعي، وما إذا تزوجت أم حبيبة لأحد، وهذا ما أفقدني أعصابي اليوم، ذلك ومسكة باب الغرفة، التي دائماً يحصل بها خلل معي.
وكان سمير يملكُ فن الإصغاء، ولم يقاطع هاني ولا بأي سؤال، بل تركه يسترسل بسرد قصته. وفي لحظة انتهاء رفيقه من سرد الوقائع، وكان وجه هاني متجمداً، ابتسم سمير له. ثم طلب منه الجلوس في الصالون كونه بعيداً عن المطبخ، خشيةً أن تسمع والدته المحادثة. نظر سمير إلى هاني وسأله: هل في يوم من الأيام فكرت في تجزئة مشكلة واجهتك؟ لا تجب الآن ودعني أنهي كلامي، وبعدها سوف تصل إلى حل مناسب لتلك المشكلتين.
الأولى التي عصفت شعورك وأفقدتك توازنك، هي حبيبتك مرتا، وليس مسكة الباب، التي فجرت ما بداخلك. علينا أولا، أن نفرّق بين ما حصل معنا بكل مشكلة نواجهها، فلو أنك مثلاً أصلحت مسكة الباب لما كنت واجهت المشكلة نفسها مراراً وتكراراً! وحسب ما شاهدت المشكلة الباب وليست المسكة! الباب بحد ذاته! تذكر أن تجزئ المشكلة. فبدل أن نعالج المشكلة من جذورها، اعتمدت الحل الأسهل، عندما حاولت تسكير الباب الآن عرفت بأن ما يسمى بهيكل الباب هو ما فعل هذا الخلل للمسكة، لأنك عندما تحاول أن تغلق باب الغرفة، تغلقه بقوة وعنف. كون الهيكل هو قريب جداً ليبعد القفل من إنجاز عمله! ويغلق الباب بشكل صحيح. هنا قاطعه هاني: لحظة لحظة، وما خص الهيكل بذلك الامر؟ قال له سمير: طلبت منك أن تسمعني إلى النهاية. وبعدها نناقش. اذهب الآن وحاول أن تغلق الباب! أنا منتظر هنا، تعجّب هاني من هذا الطلب، ولكنه ذهب محاولاً إغلاق الباب، ليشعر بأن الباب لم يكن من السهل إغلاقه بالفعل كما أخبره سمير. عاد إلى الصالون وهو ينظر إلى رفيقه، متعجباً كيف أدرك ذلك الأمر! ليسأله: سمير كيف أدركت الأمر؟ سوف أشرح لك هذا. وبعدها أتابع بالمشكلة الثانية. عندما اقتربت لمعاينة الباب، وجدت بأن الباب بعيد عن مكانه الذي يجب أن يكون عليه، كما أنه عندما وضعت يدي محاولاً إغلاقه، أحسست وكأنه يعود إلى الداخل، ولا يريد أن يُغلق. لذلك وفي الحال جزأت هذه المشكلة، ووجدت بأن المسكة، هي فقط لتمسك بها وتجر الباب لإغلاقه.
وأما من ناحية حبيبتك مرتا، لن الومك على انفعالك، وخوفك من المواجهة، بل سوف أقول لك كيف تجزئ هذه القضية أيضاً، ومن الأكيد بمساعدتك أنت لأنك أنت صاحب القرار. علاقتك بمرتا، في تلك الحقبة، وما كان موقف والدها منك خوفاً عليها طبعاً وليس منك. أولاً: لم تواجه الوالد ولا حتى مرتا، فهذا العدم من المواجهة، استمر في قلبك لأنك تحبها، وفي عقلك لأنه لم يعرف ماذا أو كيف يتصرف، وهذه الاستمرارية لذلك الخوف من عدم المواجهة. كبرَ مع مرور الزمن، وأيضاً أنت لم تعرف شيئاً عنها. إلى البارحة عندما وصلتك CV السيرة الذاتية، وأنا أكيد بأنك لم تكمل قراءتها. ولم تعرف التفاصيل عنها. لذلك عليك متابعة القراءة، وحلل ما تريد أنت! هل أنت مازلت مغرماً بها؟ وهذا سبب بقائُكَ أعزباً، ولم تتزوج؟ هل أنت غاضب منها أو من والدها رحمه الله؟ هل أنت تخشى من أن تعرف، أنك أصبحت انساناً ناجحاً ومهماً بوظيفتك؟ جزّئ كل شيء تواجهه بحياتك العملية، والعائلية، والاجتماعية. فكر في أي جزء أنت منه خائف، أو لا تريد مناقشته معها، أو مع أحد تعرفه؟ وفي باطن عقلك أنت خائف من مواجهتها وتفقد أعصابك أمامها، كما حدث معك صباحاً في اتصالك بي. اسأل نفسك هل الخوف؟ أم المواجهة؟ لن تستطيع متابعة مسارك وأنت هكذا، وبهذا الخوف والعدم من المواجهة! الآن تستطيع أن تشرح لي ما هو بداخلك، حتى لو كنت غاضباً. لا تدع الأمر يؤثر على فكرك.
وقف هاني منتفضاً! وصرّح قائلاً. نعم، إنني ما زلت أحبها، ولم يمضِ يوماً إلا وفكرت بها! هي الحافز لدي من غير أن تعلم ذلك! اؤكد لك أن عدم المواجهة في الماضي والهروب عالق في رأسي، وعندما قرأت اسمها، شعرت بهذا الخوف والتوتر! يجب أن أعترف لها بأنني ما زلت أحبها، آملاً بأنها ما زالت عزباء. شكراً سمير فأنت من منعني من الهروب!