كل يوم بعد الانتهاء من مشاغلي ، وقبل أن ينفض الوقت يده من الالتزامات اليومية تطرق الباب ، جربت ألا أفتح لها ، لكن إلحاحها يدخلني في حالة من الحذر المقيت.
لم تخلف توقيتها ولا تمنحني فرصة مشاكسة الوقت ، أن أخلو لنفسي متأملا شعاع القمر المتسلل من زجاج النافذة المكسور ، أو مراوغة نسمة الجنوب النشطة في آخر ليل المدينة النحاسية .
أحيانا كنت أحاول التشاغل عنها ، مدعيا أن أعمالي لم تنته فأروح أقلب الأوراق أو أقيم اتصالا زائفا مع صديق بعيد ، كانت تدرك أن الجميع نائمون ، والمتيقظ منهم ربما كان يعاني ما أعاني فلا مجال في زمننا لمشاركة المعاناة.
جربت التخلص منها بدس السم في كوبها، أو في طعامها الذي تفضله ، وأظل زمنا لا أقارب الطعام علها تفعل ، ولكنها تتأبى ، فينتهي الأمر بشعور قاهر أنني أعاقب نفسي فأتراجع مستسلما ، فكرت أن أوجه لها من السباب ما يجعلها تبتعد ولكني لم أجرؤ على مالم أتعوده ، فتراجعت.
تعودت عليها حتى أدمنتها ، وأصبحت سلوكا يوميا.
مع مرور الوقت توقفت محاولاتي للتخلص منها ، غيرت الاستراتيجية لأسلوب الملاينة والسياسة ، فقط طلبت منها أن تمنحني إجازة أسبوعية أو يمكنها أن تفكك الإجازة الأسبوعية إلى ساعة كل يوم ، وافقت على المقترح الثاني ، وباتت تأتي مبكرا ، أعود من العمل لأجدها تنتظرني على الباب ، تدخل معي ، وحين أتشاغل ببعض الأمور المنزلية تلتزم الصمت ، منتظرة انتهائي فتعود لثرثرتها ، تنقل لي كل أخبار المدينة والمدن المجاورة ، ولما تعجبت من حكاياتها راحت تراوغ في الكشف عن مصادرها فالتزمت الصمت محاولا الاستماع برضا .
حين طالت العشرة بيننا عرضت عليها الزواج رفضت بشدة كاشفة عن سبب لم أتوقعه ، لن أستطيع الإخلاص لرجل فأنا أعيش في قلوب رجال العصر والعصور القادمة ، وحين لاحظت استغرابي : همست لأنك ترى نفسك فقط ولو كشفت قلوبهم لرأيتني هناك أرتكن في الموقع الأعمق .
كنت أشيخ وتشيخ الأشياء من حولي ، وهي تمعن في صباها بصورة مستفزة فأنكمش متأوها وأحاول النوم.