أيها العالم إن الحبّ في خطر..
– لم تعد لغة الهمس كافية للحديث عن الحب كما قال شكسبير:”تكلّم هامسا، عندما تتكلّم عن الحب”، بل صار “فرض عين” أن يفتح سكّان الأرض شبابيكهم، قبل النّوم وعند الاستيقاظ، ثم يصرخون، كلُّ حسب قوة حباله الصوتية: أيها العالم إن الحبّ في خطر.
بعيدا عن التّفاحة حيث الحب قضية آدم وحوّاء، وحيث الشرفة الشاحبة مُشرعة على مساء حزين يرقب عودة القمر الضّال.. قريبا من جهة القلب، حيث الحب شريعة إنسانية من لا يعتنقها من البشر لا يسمو إلى مرتبة الإنسان، يجب أن نقف دقيقة خجل أمام مرايا أعماقنا، ثم نتعرّى من أشيائنا وأفكارنا ومعتقداتنا وإيديولوجياتنا، حتى لا يبقى مانع يعيقنا أن نبصر تضاريسنا “الإنسانية”. . فلم يعد ممكنا أن نُوغل في مجاهيل الدّم دون أن يستوقف كل واحد منا ساعة عمره لهنيهات، ويتساءل: أليس الحب هو شرط الإيمان وقوام الحياة ومعنى الإنسان؟ وإن يكن الحب مظهرا للضعف أو الجبن، فهل من الشجاعة أن نلبس البطولة ونغوص في الجراح؟. لا أمتلك جوابا للتساؤل، ولكنني أعتقد بأن للشجاعة أوقات يجب ألاّ نهدرها، وأيضا للجبن أوقات يجب أن نعترف بها ونتكاشف.. ولعل أوقات الجبن هي ذاتها أوقات الحب.
قريبا من جهة القلب، يجب أن نستعيد المقولة الفلسفية “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان” ولعلها تكون أصدق إذا كتبناها “البشري ذئب لأخيه البشري”، لأن الإنسان يُفترض امتلاكه لقيم الحرية والعدالة والتواصل الحيوي المُبدع.. ثم نتأمّل في المقولة ونشدّ على وجوهنا إن كان عليها قناع الذّئب، وننصت إلى نبض قلوبنا إن كان عواء أو نبض كائن مُحبّ.. ونترصّد خطاوينا على أرصفة يومياتنا إن كان لها وقع المتذائبين أو وقع المتحّابين، ثم نتساءل: هل يجب أن “نتذاءب” كشرط أساسي للمرور من مرحلة البشريّ المُهمّش حضاريا إلى مرحلة الإنسان والحضارة الحقيقية.
قريبا من جهة القلب، علينا أن نطرح تلك الصخرة عن كواهلنا.. الصخرة التي نقشت عليها السنين أننا كائنات بشرية تحيا بلا معنى وتموت بلا ثمن. نمحو المنقوش ونبحث عن إجابات ننقشها لأسئلة أخرى..
ألا يجب أن ننتشل الإنسان المُغيّب فينا من إيقاعات الموت اليومي على سلّم العزف العقائديّ والطائفيّ والسّياسي.. ومن العزف الناشز الذي صادر حتى حقّ “المواطن” في الحلم ومارس الحلم بالنيابة عنه لعقود..؟
ألا يجب أن نعيد تأثيث أفكارنا بمفاهيم الكائن المُحبّ الذي يحيا من أجل أن يروي غيره من دفق السعادة، فيروي ظمأه للسعادة بإسعاد الآخر..
عندما نفتقد الإنسان في أعماقنا فإن الحرية التي نسعى إليها تصير بحاجة إلى تحرّر. وعندما يُوحّدها الألم فنصوغ أغنية الحلم، ثم ما نلبث أن نرتدّ ويسكننا التوجّس والتخوّف من بعضنا البعض.. فإننا خرجنا من دوامة كي ندخل متاهة ونحن مستظلين بغيوم الشكّ والخوف وماضين إلى المجهول وآفاق الكوابيس التي لا تنام..
إن ربيعا لا يُزهر في أعماقنا كي نفيض حبّا على وجودنا، هو اغتيال للإنسان، وهو لون من الكفر الذي يُسقط عنّا كل إيمان.. وإن التطهّر من الخطيئة بالخطيئة هو تماما مثل القاتل الذي يغتسل بدم القتيل.. إما أن نعتنق المحبة وننتصر للإنسان وإنما أن نضبط ساعاتنا على توقيت التذاؤب ونعلنها جلية ” البشري ذئب لأخيه البشري”.. أيها العالم إن الحب في خطر.