يستوقفنى العنوان “مئة لو.. ولم” يغرينى بالإبحار فى سطور بين عوالم القصائد. هذا ما يفعله الشعر بى دائما، إما أن يجذبنى بسرعة إلى بحوره، فأغوص بكاملى فى أعماق المعانى والمشاعر التى تحملها الكلمات، وإما أن أطوى الغلاف من أول صفحة ولا أعود إليه أبدا!
“مئة لو.. ولم” كان بالنسبة لى من النوع الأول أخذتنى قصائده، احتلت مشاعرى تلك التجربة الشعرية بصدقها الشديد، وتعبيراتها وصورها الشعرية المشبعة بالمعنى والإحساس. برع الشاعر نادر عيسى فى أن يشيد من أبياته قلعة مهيبة للحب .. الحزن .. والألم.
تدور معظم القصائد حول تلك الثنائية(الحب..الحزن) تنطق بصدق إنسانى مدهش، تجعلنا نتوقف مع أكثر من مقطع، نتأمل الصور الفنية البديعة لمعانى عميقة تلمس مشاعرنا، نحسها كما لو أننا عشناها.
أسماء القصائد موحية، ملهمة: رهان العمر الأخير، آخر تقرير من غرفة الإنعاش، الأسبوع الحالى على مر السنوات، إعلان وفاة على ثلاثة أعمدة، رهاب الأسئلة، يا أنا، كلمات متقاطعة، حديث عيون على سلم متحرك، صباح عينيك، سايكو، النبوءة، أثر فراشتى، سيزيف يعشق، أحبك رغم كل حزن العالم.
أعجبنى أن بناء الديوان متماسك، يشكل عالما واحدا متناغم الإيقاع، وإنه يرصد تجربة إنسانية عميقة، يوثقها فى سطور حية، نابضة، بلغة قوية، وصور ناطقة تحفز على الغوص والسؤال.
فى قصيدة رهاب الأسئلة يقول الشاعر: لا تسألينى .. كيف حالك؟ فأنا مستلب.. ومغتال.. ولا أقوى و فى زحام مع نفسى أبحث عن إجابات.. فيك. وهذا الإنسان القديم انقطعت خطاباته وما عاد يزورنى.. وكما ترين.. أقتل نهارى..
و فى قصيدة “إعلان وفاة على ثلاثة أعمدة” يقول: ثقيلة تلك الساعات.. ونحن نتأمل بعضنا..نسير على سلك شائك.. وسط حقول الملل الشاسع. و فى قصيدة ” مئة لو.. ولم” يقول الشاعر: لو لم أرك يوما.. ولم أنطق اسمك يوما.. ولم أشتق يوما .. لولم تتصافح يدانا يوما.. ولم أندهك يوما.. وتندهينى بكل خجل .. لو لم أتخيلك فى الصحو.. يطوف الكون حولك والشموس.. الكواكب والنجوم.. لو لم تنثرى ابتساماتك فى صحن الليل وتشربى من عين السماء اشتياقا وجنونا.. لو لم أجدك مرفأ .. ومظلة.. لو لم تجهشى يوما بالبكاء..
ديوان “مئة لو ولم” يمنحنا عالما من الحب والخيال، صدر عن دار العين للنشر والتوزيع فى 164 صفحة من القطع الصغير.