مكرم غصوب
أنا من جيل ما كان بعد وصل على مدرستهن الكمبيوتر، بس شي إنّه فلّينا من المدرسه حضرهو فيها، هيدا الشي دفعني لاختار التخصص بالمعلوماتيّه كتحدي لحالي بالدرجه الأولى وللبحث عن المعرفه والتطوّر بالدرجه التانيه…دخلت الجامعه وكنت من تاني دفعه اللي بتتخصص بهالعلم بلبنان، بس يمكن بين كلّ زملائي اللي أغلبهم كانو يشتغلو بهالمجال وجايين ياخدو شهاده كنت الوحيد اللي ما بيعرف حتّى يدوّرالكمبيوتر، وبالرغم من تفوقي نظريّاً كنت اخجل واتجنب فوت عالمختبر متل الأطرش الفايت عالزفّه…ولإقدر اشتري كمبيوتر اشتغلت بمطعم البرغر كينغ، وجمّعت مصاري واشتريت كمبيوتر قد الدبّابه حطيته ومبسوط فيه على طاولة السفره، هالطاوله اللي ما كنّا بحياتنا نستعملها، لأن لمّا نعزم حدا كنّا نحطّ بالدار طاوله بتنضب وكنّا كلّ يوم لما بدنا نتروّق ونتغدى ونتعشّى، نحطّ طاولة مدوّره ونلتفّ حواليها بوحدة روح… قدّيش كانت هالجمعه إلها معاني من معنى العيله والحياة! بذكّر بليلة عيد الميلاد، كان عندي دوام بالمطعم وما قدرت كون معهن، زمطت تلفنت عيّدتهن، ورجعت عالشغل وضلَيت كلّ الليل، عيوني ينزفو دموع وقلبي ينزف حنين
الكمبيوتر اللي بعمري ما حبيّته، كان إله دور أساسي بمواجهتي للوهم وبتغيير طريقي، ويمكن كارل غوستاف يونغ معه حق، إنّه كتير إشيا ما منكون منحبّها ما بتجينا بالصدفه، بتجي لتفرجينا الحقيقه ولتغيّرلنا مسارنا بالحياة
أول شي اكتشفته بالكمبيوتر، هو طريقة تنظيم الملفات، اللي بتشبه الطريقه اللي اعتمدتها من قبل ما أعرفه، لتنظيم أفكاري وأحلامي من لمّا كترو…هالشي خلاّني حسّ متل ما حسيّت بلا ما افهم، لمّا قريت جبران خليل جبران، كنت مبسوط لأنّي زعلان وزعلان لأنّي مبسوط…لأن طلع فيه حدا بيشبهني وما طلعت فريد ومبتكر..فكتبت لريّح حالي ” فرادتك لا تصنعها بصمة عين أو بصمة إصبع، إنما بصمة القلب.
بالأولى تعبر الحواجز بالثانية تزيلها.”
هالاحساس الغريب استوقفني قبل ما افهم شو هيي البارادوكس… والبارادوكس مش التناقض متل ما كتار بيعتبروها، البارادوكس هي اللي ما بصحّ إلاّ بعدم صحته…يعني مثلاً إذا قلتلك أنا كذّاب وكنت أنا عم كذب يعني أنا صادق وإذا قلتلك أنا كذاب وكنت صادق يعني أنا كذاب مش صادق…هيدا الشي الما بيقدر يستوعبه عقله، جرّب البشري يخلّي الروبوت يتجنبه لمّا قرر ينقلّه ذكاه (الذكا الاصطناعي) لما يروكب ويتلّت!
تاني شي لفتني بالكمبيوتر إنّه مكوّن من طبقات ماديّه متعددة الاشكال، بيكفي تعطيها شوية طاقه، للتفاعل بين بعضها وبين الضو والعتمه، وتصير كأنّها كائن حيّ، كأن هالعلاقه المدرحيّه جاوبت على تساؤلي، وين بتروح الحياة لمّا نموت؟ وين بتروح الأفكار والمعارف اللي اكتسبناها؟ قولك نفس الشي، متل ما بصير بالكمبيوتر لمّا ينطفّى أو يخرب؟ دغري انتفضت على نفسي وقلت أكيد لا…الكمبيوتر محدود بالاحتمالات اللي نحنا منلقمه ياها وهو صنيعتنا، يعني أقل منّا…وأهم شي ما عنده إحساس منّه فريد متلنا
بس لما اخترت التخصص بالتحليل، لأنّي كنت بعدني مأخر فعلياً بالبرمجه، اكتشفت إنه التحليل أصعب بكتير، لأنّه بحاجه للمنطق والصدق وأصعب التحدّيات الصدق مع الذات،
وكنّا بوقتها عم تعلم كيف ننقل الذكاء البشري للروبوت وكيف نبرمج الروبوت ليتجنب البارادوكس. وعإيامنا كان اهم روبوت توصله العلم انجأ يربح بطل الشطرنج معتمد على طريقة تشحيل الاحتمالات وصار هالكائن يتطوّر كلما تقدم الانسان بنقل كلّ الذكا لإله وزادت عنده الاحتمالات لصار ذكي متلنا ولأن ما عنده عاطفه ولأنه اسرع منا بالحساب والتحليل مش مستبعد يسيطر علينا… مؤخراً اخترعو روبوت كذّب وزعبر وقدر يطوّر حاله بحاله.. عرفت إنه دمروه بس اكيد رح يرجعو يخلقوه من جديد… ولما ينوجد هالروبوت رح يستعبد الكائن البشري وبعد فتره رح يفنيه ويرجع يطوّر حاله وكل جيل منه يفني جيل لحتّى يوصل جيل ينسى الكائن البشري ووجوده ويسأل مين خالقه وما يعرف… ويرجع يقرر إنّه اللي خلقه اكيد على صورته ومثاله
وهيدا التحليل خلّاني شحّل بالاحتمالات بس ضليّت معتبر إنّه فرادتي المبنية عالحب أهم من كلّ الروبوتات مع إنه عارف إنه هالفراده اللي ما قدرت تنتصر على الشرّ بالإنسان منّا قويه كفايه لينتصر فيها بالحرب الدايره على فنائه بين الروبوتات والكائنات المجهريه اللي هو عم يعززها بجشعه وانانيته وهو رح يكون ضحيتها بعد ما ينتصر فيها الروبوت
كلّ خوفي إنه يطلع هالأمل الوحيد الباقي وهم من هيك كتبت
“اليأس الاكبر، حين تدرك أنّك الروبوت المبرمَج على أن يكون فريدا
الأمل، حين تنتفض فرادتك على فرادتك المبرمجة
الخوف، في اكتشاف أن هذه الانتفاضة مبرمجة أيضاً
يمكن نوصل لمرحله ننقل فيها الحب للروبوت، يعني يصير عنده عاطفه متلنا، بس هيدا شي بخليني حسّ متل لما قريت جبران، لمّا زعلت لأني مبسوط وفرحت لأنّي زعلان…بس هالمره حاسس وفهمان… بس بقول يا ريت ويمكن بس يصيرو يحبو، يجتمعو الروبوتات بعيله حول طاوله مدوّره لو ما كانو بحاجه للاكل، يعرفو معنى الحياة، يمكن هنّي يقدرو، يوصلو لما وراء الخير والشر، لأبعد من البارادوكس، لعند الإله اللي حكيو عنه الغنوصيين واخد منهن الفكره نيتشه