العشق أقدم حانةٍ
والذاهبون إليه جرحى
ينزفونَ
تدلُّ بوصلةُ الدماء على خطى أسرارهمْ
يبكونَ
يقطِر من عيونهمُ نبيذُ الذكرياتِ
ويسكرون لكي ترى أبصارُهم حبًّا غدا حبلا
وأجهش بالعداءِ..
ثملوا كثيرا كي يموت الحسُّ في أرواحهمْ
أو لا تنامَ النار في أكبادهمْ
أو لا يروا في العشق يرعى طفلة الذكرى
ويشكو للسماءِ
وجعا يُرابط عند باب الحنجرةْ
العشق أقدم حانةٍ
ولقد دخلتُ
أرى وجوها مثل وجهي ذائباتٍ
هائماتٍ في عوالم من حنانٍ لم تعد تأتي
ودائخةَ الشعورِ تُبيد صحوا موجَعا
بل لا تنامُ
ففي الرؤى وجهُ الأحبة شاحبٌ
لا تستفيقُ
فعند باب الوعي شوك جائعٌ
يهَبُ المُحبَّ إلى جحيمِ المقبرةْ
ورأيتُ قلبيَ حين تذبحه المواجعُ هاتفا
أفرغْ هنا أنهارَ خمرٍ،
في شراييني كثيبٌ من حرائقَ
في دمي النشوان رملٌ لا يُهادِنُ
أو يهونُ
يا صاحبَ الحان القديمِ
لقد مضى عقلي إلى موتٍ رحيمٍ
إنما الجثمانُ حيٌّ يعبر الأمصارَ
حتى استيقظ الدرويشُ في خطواتهِ
والله خاط جراحَهُ من سورة الرحمنِ
أطفأ نارَها من دمع أمٍّ مؤمنٍ
حتى استعاد العقلُ شمسَ الوعي أحيانا
وآزاه الجنونُ..
العشق حانٌ أسَّستْهُ الآلهةْ
يأتي إليه الموجعون لكي يتوبوا
وبخمره يتطهَّرونَ
بسرِّه تفنى الذنوبُ
وتُخمد الأشواقُ جرْحًا في العيون الوالهةْ
العشق أوجعُ حانةٍ
وأنا خرجتُ..
تركتُ خلفي جسمَ عافيتي ذبيحا بالصَّدَأْ
وأنا انصهرتُ كما يذوب المعدنُ الصَّلْدُ العنيدُ
وأصْلُ جسمي مِن حَمَأْ..
دخل الحانَ عاشقٌ هدَّه الكرهُ
وفي عينيه جياعُ الرصاصِ
جرَع الخمرَ، ثم قام يغنِّي
قد غفرتُ الأذى فما من قصاصِ
ثم آذى وريدَه وهْو يمضي
فرِحَ الروح صوبَ دفءِ الأقاصي
فشربنا من أجله غيمَ خمرٍ
وبكينا، ولات حين مناصِ
وانتظرنا جراحَنا يوم تُشفى
لننادي الفناءَ قمْ باقتناصِ
العشق أرحم حانةٍ في الكونِ
أبهى من نزيف العاشقين حروفُه القطِرانْ
فإذا ولجتَ رياضَه الأنقى
فكن متوضِّئا
وإذا خرجتَ وكم ثملتَ بوجههِ النبويِّ
فارحلْ عكسَ عشقِكَ تائها
واصعد إلى الجبل القريبِ
فإنْ هويتَ إلى المهالكِ
فلتؤذنْ في النزول بما التهمتَ من المُدَى
وبصرخةٍ من سورة الغفرانْ.