17-03-2021 | 12:05 المصدر: “النهار” يوسف طراد
من يلامس جرح الوطن بالمحبة ويرصده بالحنان، ومن يمد جسر النور إليه؟ بين موت ثورة وولادة أخرى، يأتي صوت “قرنفل” من فضاءٍ شاسعٍ لشعورٍ عذبٍ لم ننسَه، صوتٌ يصحو عند ابتسامة كل شمسٍ ودمعة كل امرأة ثائرة تجوب الساحات
نحن عطشى للحضور الحضاري الهامس الصادح الذي جسّدته سفيرتنا إلى النجوم #فيروز، يوم قارعت وشاكست وتألّقت على خشبة البيكاديللي عام 1971، منتظرة أن يستيقظ الوالي أنطوان كرباج من غفوته الطويلة التي تستمر شهرًا قبل أن يعاود النوم لشهرٍ جديدٍ، وهيهات أن تكون معاملتها من بين الثلاث معاملات التي يختمها قبل سباته
صح النوم تلك المرسحية الخالدة حتى الأزل، كلمةً كلمةً ومشهدًا مشهدًا وأغنية أغنية. وطنُ بطلته “قرنفل” يبكي سرًا كلّما صفعته أحلام فقرائه بالرغيف، زارعًا جرحه في عنابر متفجرة قبل أن يبتلعه الأفق
عندما اتّحد ساسة الوطن مع وكلاء الله على الأرض، فقدوا شروط الرؤية الصحيحة، ورحلوا عن ذاتهم عند كل غفوة من ولاتهم، الذين أمعنوا إبحارًا نحو المجهول، ولم يبحثوا عن مجد لبناننا في غلالات الحاضر الأليم. فليس كل رحيل يقود إلى الوطن ما دام الوطن شغوفًا للصدق والشفافية. وطنٌ رغم هفوات وغفوات ولاته، لم يعرف “النوم العذب”، كما قال شكسبير، ففي نوم الوالي قلق التراب
لم يكتمل القمر منذ عقود في بلدنا ولم تُمهر حتى ثلاث معاملات تخدم الصالح العام. هل يمكن أن تكون مدّة شهر النوم في هذه المرسحية دالّة على عقد أو قرن. وهل يمكننا أن نجاهر كلّما صنعنا إنجازًا ناقصًا، والعالم لا يستطيع أن يفهم لماذا نجاهر ونحتّد، ما دامت الإنجازات واجبات الولاة.
هل يجب على الشعب عند كل استحقاق أن يسمع أنين الوطن؟ ترى من يسرق الختم ليتخطى الواقع حدود المعاملات الثلاث؟ ومن يُخرج الفرح من القمقم؟
ارتحلت الأمكنة والدروب، فرغت المدن كما مدينة النحاس المسحورة، احتجبت حواس المقاهي والمطاعم، فلا رؤية عابرة حتى لناس يقصدونها، وليس في الشوارع إلًا بشرٍ عيونهم مزيج من خوف وجوع وخيبات
“قرنفل”، رجاءً ارحلي إلى المستقبل لنلقاك، فكم نشتهي عناق المدى مع صوتك العذب، لنذوب في ثنايا الشهد المنذور على عتبة لبنان، ونسرح في جغرافية الوطن نراقص شهوة ندية من قبلات الشمس كل صباح… وصوتك يتهادى جداول سحر في ثنايا الكيان، حتى انتشاء الزنابق في عروق الرعشة الهادرة
“قرنفل” ارحلي إلى المستقبل وإقفزي فوق الحاضر، لأنك ستحتاجين في زمننا حقيبة كبيرة، في دولة ميثاقيتها هشّة، ومراسيمها جوالّة، وثلثها معطِّل، وديمقراطيتها توافقية، حقيبة تتسع لأختام الدويلات المسيطرة على القرار وكل دويلة تحسب نفسها الدولة
“قرنفل” عودي من المستقبل واسرقي أختامًا لا نفع منها، وارميها في بئر عميقة لا وصول أنس لقعرها. أختامٌ عاجزة عن الإتيان بحكومة تكنوقراط محايدة، أختامٌ مهرت قانونًا نسبيًا على قياس لباس حامليها، أختامٌ تختم لأَجَل من لا تأبه لهم
عندما يرسم المساء لوحاته في المدى الهادئ، ويعلو بوح السماء الأنيق فوق كلمات المرسحية، ستنهض “قرنفل” الثائرة قبل أن يستيقظ الوالي، وتُخرج ختم الوطن الوحيد الموحّد من البئر. لن تُربط على فرس وحشية وتُترك لتهيم على وجهها لبقية حياتها، كما كان حكم الوالي النائم، لأن هذا الفعل من أمر الأختام البائدة. بل ستختم كل طلبات الفقراء ليحيا الوطن بفرح الرعية