لا إبداع بلا خيال / الكتّاب يمتلكون قدرة على التخيل والتصور، وهي ميزة فريدة من نوعها تمكنهم من تشكيل عوالم وأفكار خارج حدود المحسوس. وفي الوقت ذاته يسمحون للخيال أن يطغى على الواقع، فيراه القارئ، حقيقة ماثلة أمامه، في أعماق كيانه.
سأشتري حلماً بلا ثقوب، العنوان والذي يُعتبر عتبة النص، والنافذة التي من خلالها نطل على فكر الكاتب، او بالأحرى على العبارة الرئيسية التي شغلت فكر الكاتب والتي هي بالتالي محور النصوص القادمة، كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤيا، هذا ما قاله النفري، والاجمل حين نرى تلك العبارة تحمل في ثناياها رؤية تخطت الحدود الجغرافية للقضايا التي اهتمت بها الكاتبة. الكتّاب يتخيلون يتصورون ويكتبون، وليس على الخيال حكمٌ. في موضع غير مرئي وغير ملموس، يتولد الخيال لفترة قصيرة، يطوف بنا في أفق أشمل، يأخذنا بعيداً عن الحاضر للحظات، ومع ذلك يبقينا على صلة وثيقة بالواقع، إذ يكفي أدنى محفّز خارجي، كصوت أو حركة، ليوقظنا من سبحات الخيال ويعيدنا إلى العالم الملموس، ذلك الواقع الذي تحكمه قوانين الأبعاد الثلاثة، حيث الأشياء والمواقف ملموسة ومحسوسة، وحيث لا مجال لتجاوز الحدود التي تحكمهم. الخيال، بالنسبة للكاتب، ليس هروباً ولا بديلاً عن الواقع، بل هو وسيلة لاستكشاف الأفكار والاحتمالات، وعرض ما يمر بالإنسان، ولكن بأسلوب أقل ما يمكننا القول عنه أنه حلم مثقوب في يقظة مؤلمة.
أما القراء، فيقودهم الخيال ينبه بهم ذلك الحس أنهم في مكان ما، هم محور ذلك الخيال، فتعيدهم الكلمة إلى واقع من أربعة ابعاد، الواقع المعاش، الصوت الصورة، الوجع والرائحة.
سوف اتناول وجه اخر للمجموعة القصصية سأشتري حلما بلا ثقوب، ألا وهو الوجه الانساني، وما الادب إن لم يكن هدفه معالجة القضايا الإنسانية، والكشف والدلالة وتصوير واقع الكاتب، وان يكون هناك رسالة يضمنها الكاتب في سطوره، والسعي نحو حلم نحو الافضل، ما الضير أن يخرج عن صراط المألوف، والمعتاد عليه؟ متل اينشتاين، الذي هو مختلف في القصة، ولكنه يحمل قدرات استثنائية،
عزمت د. عبير، على شراء الحلم، الحلم في شقيه، الحلم بعيون مفتوحة، والحلم اثناء النوم، الأول تتدخل فيه إرادة الانسان والثاني لا أرادي ولكن يمكن أن يكون حصيلة هواجس ومشغوليات العقل اثناء الوعي لينعكس في حالة اللاوعي، عند النوم، أي كلاهما يمكن أن نكون حلم يشغلنا عقلنا في الوعي واللاوعي، احلام، تجسد حقيقة إلى أي مدى اصبحت أصبحت مثقوبة وهذا دليل على تدخل الواقع المر، الثقب الذي يجعل هذا الحلم واهن وضعيف، وأي ضربة واقعية تفتته، وحقيقة الواقع في خلال الخمسين سنة الماضية حتى الساعة، أعاصير عاتية ضربت الانسانية، وصدعت أحلامنا.
صدر حكم المحكمة، وفي ظل هذه الاوضاع التي تهيمن على المنطقة، هل من محكمة تحكم بالعدل، في ظل غياب الضمير الانساني، الانسانية اصبحت عيبا، وضعفا، وتخاذلا، الانسان أرخص من التراب، التراب اصابته التخمة، مأمورية تلو أخرى، والحق حصل على تقاعد مبكر، عندما جعلوه ممسحة، عند عمى بصيرتهم، اعتزل الحياة. الموت يهزأ بنا، وكأنه على موعد مع ذلك القدر الذي يتربص بي لم يشأ أن يبتلعني بل تركني لقمة سائغة على طاولة وليمته، كان متخما عندما وصل إلي، يا لها من سخرية سوداء، نصف إنسان، منسيا، من البشر والحياة، منسيا من الموت،
الحرب، الموت، وما خلفته من تشويش، وفوضى في المجتمعات، علاقة الاسرة والتربية المبنية على تفضيل ولد على الاخر، انتقال البنت بعد بلوغها سن معينة لتخدم في بيت أخيها وزوجته، وإن كانت بحجة أنها تعلقت بالطفلة، ظاهرة مؤلمة، وكأن لا يكفي ما أصاب الانسان في الخمسين سنة الماضية من قتل ودمار بشري، فأتت الزلازل لتقضي على فتات الامل التي نتدثر به، لندخل في غيبوبة من التساؤلات لماذا؟ لماذا تنهار الحياة هكذا، لماذا كتب علينا أن نصاب وتثقب اجسادنا، لماذا تلدنا الحياة من رحمها وتقسو علينا الاقدار وتغرقنا في ذلك الثقب الاسود. لماذا يصبح الموت أمنية، وراحة، والانتحار أمل وأكثر أمنا من حضن الوطن، ترقص الأرض فنهوي من على قمة أحلامنا وترحل الارواح ويبقى الجسد يُشوي على حرارة الاسفلت الاسود، ، خذلان اكبر، والأسفلت لا يبتلع الاشلاء، من مات قبل الاخر الانسان أم الحيوان صفحة ٢٧، والسؤال الاحرى، أول موت كان قتلا، هل رضعنا دم قايين حين قام على أخيه مقتله، ومن ذلك الزمان، الأبقى للمجرم، الأبقى لمن غطته الندوب جال في الأرض، يزرع الجروح، ونحصد الوجع، وحين ينجو أولادنا بأعجوبة من غضب الارض ورقصها شماتة بنا، تأتي الحرب لتستبيح آخر نفس فينا. المجموعة وهي تعبير كامل ومواقف كان للدكتورة عبير تقاطع مهني وأدبي، ما بين الطب والكتابة وما بين الشعر والسرد، اعطتنا واقع بلغة شاعرية إنسانيات عايشتها أو سمعتها، او تناهت إليها من تجارب الاخرين فصاغت منها قصصاً مشبعة بالوجع والتجربة الانسانية، احيانا تملك مكونات القصة وأحيان أخرى مجرد دروس تقريرية، تخبرنا عن مواقف، نجدها كل يوم في واقع الحياة.