شهيرة إبراهيم التركماني
انتهيت من الكتاب الثاني للكاتبة البيلاروسية سفيتلانا اليكسييفيتش بعنوان زمن مستعمل ( نهاية الإنسان الأحمر )
الكتاب عبارة عن مجموعة شهادات من التاريخ الشفوي و التجارب الإنسانية حول انهيار الاتحاد السوفيتي ، تعرض الكاتبة من خلالها تفاصيل دقيقة عن حياة البشر – و (الحقائق) الكامنة وراء الأساطير والمعلومات المضللة والدعاية. سوف نسمع أصواتا متعددة ،منهم المثاليين المتحمسين الذين يؤمنون إيمانا راسخا بفكرة الشيوعية و كذلك سنسمع ضحايا الإرهاب الأحمر ، الذين عانوا من أسوأ جوانب النظام و قد يكون أحيانا هو نفس الشخص.
قرات الكثير من الأدب الروسي و لكن يظل هذا البلد غامضا …مع الكثير من التناقضات …فعلى مدار قرن من الزمان ، تحولت روسيا ، بعنف ، من النظام الملكي إلى الشيوعية القمعية ، ثم إلى شكل من أشكال الرأسمالية تحكمه ديمقراطية مختلفة إلى حد ما . خلال ذلك الوقت أيضا، نجت البلاد أيضًا من حربين عالميتين.
في أوائل التسعينيات ، بعد سقوط الشيوعية ، انفصلت 14 منطقة عن روسيا لتشكيل بلدانها (أوكرانيا ، لاتفيا ، إستونيا ،إلخ
جلست سفيتلانا أليكسيفيتش على طاولة المطبخ لعدد لا يحصى من الناس وطلبت منهم التحدث عن تجاربهم في ظل الشيوعية ، أثناء سقوط الشيوعية والاتحاد السوفيتي ، والآن في ظل الرأسمالية الديمقراطية. لقد قامت ببساطة بتشغيل جهاز التسجيل الخاص بها وتركت الجميع يشاركون قصصهم و انطباعاتهم و تحاربهم الحياتية و الإنسانية عبر هذه التغييرات فجاءت التواريخ الشفويةمذهلة ومتنوعة و عفوية.
نسمع من خلال هذه الشهادات حنينا غامضا مبهما إلى النظام السابق لعلها رغبة في حياة إنسانية كريمة وذات مغزى.رغبة لا تستطيع روسيا ، لسوء الحظ ، تحقيقها لشعبها اليوم …
كتاب يدفعك لمعرفة المزيد حول تاريخ الاتحاد السوفيتي و روسيا اليوم و لكن لم يكن هذا الجانب الأساسي الملفت في الكتاب و إنما الطاغي هو الجانب السردي الإنساني الذي جاء شيئًا مختلفًا عن أي شيء آخر قرأته من قبل ما عدا كتابها ( ليس للحرب وجه أنثوي) أسلوب فريد تميزت به من خلال نسج القصص والمحادثات معًا من أولئك الذين عانوا من الحقبة السوفيتيةوتداعياتها بشكل مباشر ، ابتكرت ألكسيفيتش عملاً غنيا بالأصالة والشخصية من خلال هذه اللقطات الحميمة ، شكلت مجموعة كاملة من وجهات النظر حول الأسرة والواجب والاستقلالية والخسارة والحزن والحب .
ببساطة ، هذا كتاب مختلف تماما ، جمعت فيه المقابلات والشهادات من مختلف الأشخاص رجالا و نساء ، من جميع المستويات الاجتماعية المحظوظين وغير المحظوظين ، والمسؤولين الحكوميين ، والمجهولين. يتم تقديم الفصول على شكل مقتطفات من المحادثات حول مواضيع مختلفة. يروي الأشخاص الذين تمت مقابلتهم قصصهم ، ويحاولون فهم حقائق الحياة السوفيتية ، وانهيار الاتحاد السوفيتي ، وما حدث بعد ذلك.
كتاب يقدم نظرة ثاقبة فريدة لشريحة عريضة من المجتمع ، حول الأحداث التاريخية والعالمية الكبرى. القصص مليئة بالأمل والألم والحب والخسارة والموت واليأس وكل شيء آخر يصنع الحياة. أنا متأكدة من أن كل قارئ سيجد هذه القراءة مفيدةومثرية و ليس من السهل تصنيفها
كتاب بارز عن تاريخ روسيا من قلوب وأفواه الناس من روسيا ودول ما بعد الاتحاد السوفياتي و لا شك أيضا يجعل القارئ يفكر مليا و يطرح الكثير من الأسئلة حول ما يصنع القهر و الاستلاب و الاستعباد فنهاية الإنسان الأحمر لم تكن سوى تأكيدًا لإنسان مستلب، كان عبدًا للأفكار وأصبح عبدًا للمال.
قراءة ماتعة في حال أعجبتك المراجعة المختصرة
أنصح به ⭐️⭐️⭐️⭐️
بعض الاقتباسات من الكتاب ؛
⚡️ لا وحش أسوأ من الإنسان. هو الإنسان الذي يقتل أخاه الإنسان، وليست الطلقة. إنسان يقتل إنساناً… يا عزيزتي!
⚡️ لا تنقبوا عن المؤامرة اليهودية – الماسونية. نحن قضينا على كل شيء بأنفسنا، وبأيدينا.
⚡️ لدى الإنسان عدة لغات: لغة يخاطب بها الأطفال، وثمة لغة أخرى يتحدث فيها عن الحب… وثمة لغة ثالثة عندما نتحدث مع أنفسنا
⚡️ لم يعلمنا أحد ما هي الحرية. كانوا يعلموننا فقط، كيف يمكن الموت في سبيل الحرية
⚡️ الإنسان يريد أن يعيش ببساطة ، دون أية فكرة عظيمة ، إن هذا لم يحدث أبداً في حياة روسيا ، و هذا أمر لا يعرفه الأدب الروسي أيضاً
⚡️ فالجميع كانوا ثملين بالحرية،لكنهم غير مهيئين بعد للحرية
⚡️ أدور وأدور حول الألم. لا أستطيع الفرار. في الألم يُوجد كل شيء. الظلمة، والانتصار. أثق أحيانًا بأن الألم هو جسر بين الناس، وصلة خفية، ومرة أخرى أفكر بيأس، بأنه هوة