
أ . د. سعاد سيد محجوب
أستاذ الأدب والنقد
الرثاء هو الوجه الآخر للمديح، وفي أبسط معانيه يعني البكاء على المَيِّت، وفي الاصطلاح:” مدح الميت بما كان فيـه مـن المناقـب المـذكورة والمحاسـن المأثورة” () وفي تعريف المحدثين والمرثية هي :”القصيدة التي تقال في بكاء الميت”() وهو من أصدق أغراض الشعر، خاصة إذا كان المرثي تربطه صلة وثيقة بالشاعر.
الشَّيْخُ الرَّاثِي هو الحبر يوسف نور الدائم (1940 ــ 2023م) أستاذ جامعي من علماء اللغة العربية، وعلا كعبه في شتى علومها؛ وهو من أبرز فقهائها وأعلامها، وشاعر فحل وإن كان مقلًا، له ديوان شعر يحمل عنوان أنفاس القريض، وهو خطيب مفوه وله باع طويل في مضمار الخطابة، رفد أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة بمحاضرات قيمة، وترك بصماته الطيبة في المشهد الثقافي على المستوى المحلي والعالمي، وأدلى بدلوه في ميادين السياسة، وحسبه من الفخر فقد جمع بين اللغة والفقه والأدب، وحباه الله تعالى بفصاحة اللسان وقوة البيان والذاكرة الحافظة، والبديهة الحاضرة، وكان علامة فارقة في المحافل والمنابر، نال شرف التتلمذ على يد العلامة الشيخ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ الطيب المجذوب.
الشَّيْخُ المَرْثِيُّ هو عبد الله الطيب المجذوب(1921م ـــ2020م) وهو علم وبحر في شتى ضروب العلم والمعرفة، من القلائل الذين قلما يجود الزمان بمثلهم، وهو سجل ضخم متعدد الصفحات، كان الشيخ الأديب عبد الله الطيب المجذوب علمًا من أعلام اللغة وشاعرًا مطبوعًا وخطيبًا مفوهًا. تناول الموضوعات الشعرية التي سبقه إليها أسلافه من فحول الشعراء، وطاف بالكلمة وحلق بها في فضاءات مختلفةومتباينة، وأعاد إليها ماضيها التليد. قصائده عكاظية في معناها ومبناها. اتسم شعره بالقدم والحداثة في آن واحد. نال المجذوب العديد من الجوائز وكانت أكبر جائزة في حياته عشق بنت الضاد له، وكان نعم الابن البار بها.
رحل الشيخ العلامة عبد الله الطيب، وبكته القوافي بالدمع السخين والثخين، وعزى الشيخ الحبر نفسه في مصابه الجلل برحيل شيخه برائية وظف فيها دلالات صوت حرف الراء، فهو من أصوات الحروف التي تجمع بين أكثر من دلالة؛ ويساعد الشاعر على تفجير عواطفه المتأججة وقد يتعاور صوت الحرف بين القوة واللين.
عبر الشيخ الحبر في مرثيته لشيخه عبد الله الطيب عن عميق حزنه لفراقه الأبدي وعدد مناقبه وفضله، ووصفه بأنه(كان واحد دهـره) وصدق فقد تفرد شيخ العربية وتميز في عصره، ولم يكن له ند ولا نظير، وترك بصماته الطيبة في عصره وفي العصور اللاحقة.
افتتح شيخ الحبر قصيدته بالحسرة والأسف، حتى كاد الحزن أن يفقده صوابه من شدة وقع المصيبة والفاجعة:()
أَسَفِي عَلَيْكَ بِدَمْعِنَا مَمْهُورٌ | يَا مَنْ أَضَاءَ لِعِلْمِهِ الدِّيجُورُ | |
إِمَّا رَآنِي مَنْ يَظُنُّ بِيَ النُّهَى | فَلَهَا لِفَقْدِكَ إِنَّنِي مَعْذُورُ | |
طَارَ الحِجَى مُذْ طِرْتَ أَسْأَلُ عَنْكُمُ | مَنْ قَدْ لَقِيتُ وَخَاطِرِي مَكْسُورُ | |
هَا ذَاكَ عَبْدُ اللهِ مَالِي حِيلَةٌ | وَالحُزْنُ يَعْصِفُ أَيُّهَا النَّحْرِيرُ | |
مَا كَانَ سَيْفُكَ مَغْمَدًا فِي جَفْرِهِ | سَيْفُ السِّنِينَ الشَّفْرَتَيْنِ جَهِيرُ |
يشير إلى العلة التي ألمت بالشيخ عبد الله الطيب المجذوب وألزمته الفراش، بعد النشاط الذي كان يتمتع به، ولم يكن بينه وبين الأسِرَّة أو السُرَر عهد أو ميثاق لهمته من أجل تحصيل العلوم والمعارف، أعجز داؤه الأطباء، وعز عليهم وصف الدواء الذي يقضي على الداء:
حَتَّى رَأَيْتُكَ لِلْفِرَاشِ مُلَازِمًا | وَالْعَهْدُ أَنَّكَ لَا يَرَاكَ سَرِيرُ |
أَطِبَّةُ الْإِفْرَنْجِ حَوْلَكَ سَهْمٌ | يَرْتَدُّ طَرْفٌ عَنْ سَنَاكَ حَسِيرُ |
عَجَزَ الْأَطِبَّاءُ عَنْ تَتَبُّعِ دَائِهِ | كُلٌّ تَقَطَّعَ وَهْوَ عَنْكَ بَهِيرُ |
لم يصرح باسم زوجه ورفيقة عمره ولكنه وصفها بالوفية ونالت هذا الوصف عن جدارة واستحقاق،وحسبها من الفخر فقد تركت أهلها وديارها ومرتع صباها، وهاجرت من مسقط رأسها حيث نشأت وترعرعت في ظل الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس واختارت أن تعيش مع زوجها بين أهله وعشيرته، وتطبعت بطباعهم وعاداتهم وتقاليدهم المستمدة من تعاليم الدين الحنيف؛ وعندما رأت رفيق دربها طريح الفراش؛ ولمعرفتها للصلة المتينة التي تربط بين شيخ الحبر وزوجها الذي ابتلاه الله تعالى بنعمة المرض، لذا طلبت من تلميذه شيخ الحبر أن يرقيه بالقرآن قناعة منها أن كلام الله هو الشفاء من كل داء:
هَذِي الْوَفِيَّةُ حَوْلَهَا مِنْ أَهْلِهَا | زُمَرٌ تَجَمْهَرَ حَوْلَهَا جُمْهُورُ | |
وَلَقَدْ دَعَتْنِي لِلتِّلَاوَةِ إِنَّهَا | مِثْلٌ تَفَرَّدَ فِي الْوَفَاءِ كَبِيرُ | |
كَانَ الْوَفَاءُ لَهَا فَأَوْفَتْ ذِمَّةً | فِي حِقْبَةٍ فِيهَا الْوَفَاءُ عَسِيرُ | |
لِلَّهِ دَرِّي إِذْ أَرُوحُ مُتَمْتِمًا | (يَا رَبِّ سَلِّمْ) وَالْقَضَاءُ مَسْطُورُ |
معجم الشعر في مضمار الرثاء يزخر بمفردات السؤدد والفضائل، هو المديح الدامع يعدد فيه الشاعر مناقب المرثي لكن بما يدل على أن الشخص انتقل من عالم الفناء إلى عالم الخلود، لقد حاز المفقود كل المفاخر، وحسبه من الفخر فقد كان” واحد دهره ” وفضل علمه عرفه القاصي والداني، وهبه الله تعالى نعمة العلم، ووعى هذه الهَبَّة العظيمة، وزينها بالمكارم والفضائل والتحلي بالصبر على المكاره، وسيرته الطيبة المحمودة سارت بها الركبان، و كان الحلم طبعه والاستقامة نهجه.
ذَهَبَ الَّذِي قَدْ كَانَ وَاحِدَ دَهْرِهِ | عِلْمًا تُوَاصِلُ وَالْعُلُومُ سَفِيرُ | |
عِلْمٌ حَوَاهُ الصَّدْرُ مِنْكَ فَلَمْ نَكُنْ | إِلَّا بِنُورٍ مِنْ ضِيَاكَ نَسِيرُ | |
عِلْمٌ تَفَجَّرَ مِنْ جَنَانٍ صَادِقٍ | جَمِّ الْفَضَائِلِ مَا لَهُنَّ نَظِيرُ | |
الصَّبْرُ مِنْكَ سَجِيَّةٌ مَحْمُودَةٌ | يَا مَنْ بِصَبْرِكَ أَبْرَدَ الْمَحْرُورُ | |
سَارَتْ بِذِكْرِكَ فِي الْأَنَامِ نَجَائِبٌ | غُرُّ الْوُجُوهِ وَغَرَّدَ الْعُصْفُورُ | |
آتَاكَ رَبُّكَ نِعْمَةً مَمْدُودَةً | فَأَخْضَرَّ عُودُكَ وَانْبَرَى مَزْمُورُ | |
هَذِي الْفَضَائِلُ قَدْ نَشَرْتَ عَبِيرَهَا | عِطْرًا يَفُوحُ فَيْضُهُ الْمَسْحُورُ | |
عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَاسْتِقَامَةُ مَنْهَجٍ | فِي الْبَحْثِ طَالَ الْبَحْثُ وَالتَّنْقِيرُ | |
نَقَّبْتَ تَطْلُبُ فِي الْعُلُومِ مَآثِرًا | ثَمَرَاتُ كَسْبِكَ يَانِعٌ وَنَضِيرُ | |
ثَمَرَاتُ كَسْبِكَ كَوْكَبٌ مُتَأَلِّقٌ | زَهْرٌ تَفَتَّقَ كَسْبُكُمْ مَشْكُورُ |
مناقب الشيخ عبد الله الطيب كثيرة ومتعددة ويسترسل الشاعر في ذكر محاسنه وفضائله، وما يتمتع به من علم بالشعر والنثر، وفي مضمار النثر شبهه بكُتاب العصر العباسي مثل ابن العميدالذي ختمت به الكتابة ومن الألقاب التي عرف بها ابن العميد الجاحظ الثاني، كما شبهه بالزمشخريوهو من أئمة المفسرين وعلماء اللغة، والنحو، والعروض، والبلاغة والقراءات، والحديث، والفقه، كما شبهه بابن الأثير، وهو شاعر وكاتب ومن علماء اللغة ومؤرخ.
الشاعر الحبر يشير إلى فصاحة شيخه ويصف علو كعبه في مضمار النثر، والشاعر يشير بطرف خفي إلى تم في مجمع اللغة العربية عام 1957م، كان يومئذ الشيخ عبد الله الطيب رئيس وفد السودان وقدمه طه حسين قائلًا: صديقي الدكتور عبد الله الطيب سيخاطب الجمع الكريم بلغة تركها العرب قبل تسعة قرون” و أقتطف منها:” تفعقر ناقوش الكري بقراعقم فقال نافوشهم شعثان ضبهم بدراهم، أيشكون سافور الجراري عندهم طوقان قلب الهاطل المتوهم، مبشور شاري لواكع شرهم يقظان شاري الكمكمان السواهم، ثم استطرد قائلاً : وقبل أن أبرح مكاني أقول لكم، قراحفة من أحشاف هول سكعبل ــــ تسعفه لكن بالجرنش الجمقمل. وكنت إذا الأرناف جئنه تمرضلا. تفشكفت عمدًا في خوافي التمرضل. سلام ــــ من الله عليك يا ظئر خيثم وقد جئت تسعي بالمذاق المزمقل” () وسحر السامعين بمنطقه وأذهلهم.
أما في مضمار الشعر فهو فرزدق زمانه وجرير عصره، الأول لولاه لضاع ثلث اللغة، أما الثاني تفرد بحسن ديباجته ووصفهما أبو زيد القرشي في جمهرة أشعار العرب:” أجمع الناس على أن أشعر أهل الإسلام هم الفرزدق وجرير والأخطل، وذلك لأنهم أُعطوا حظًا في الشعر لم يعطه أحد في الإسلام، مدحوا قومًا فرفعوهم وهجوا قومًا فوضعوهم، هجاهم قوم فردوا عليهم فأفحموهم، وهجاهم آخرون فرغبوا بأنفسهم عن الرد عليهم فأسقطوهم، هؤلاء شعراء الإسلام وهم أشعر الناس بعد حسان بن ثابت، لأنه لا يشاكل شاعر رسول الله )ﷺ( أحد” () ومن مناقب المرثي التي أشار إليها الشاعر شيخ الحبر قوله:
رَأْيٌ سَدِيدٌ وَالْمَعَارِفُ جَمَّةٌ | وَالشِّعْرُ مِنْكَ فَرَزْدَقٌ وَجَرِيرُ | |
النَّثْرُ مِنْكَ شَرِيعَةٌ وَضَّاءَةٌ | لِابْنِ الْعَمِيدِ زَمَخْشَرٌ وَأَثِيرُ | |
نِلْتَ الْعُلُومَ أُصُولَهَا وَفُصُولَهَا | وَيَلَذُّ مِنْكَ الشَّرْحُ وَالتَّفْسِيرُ | |
جَهِلَ الْفَصَاحَةَ مَنْ يَظُنُّكَ مَغْرِبًا | أَحْيَا الْفَصَاحَةَ سَامِرٌ وَسَمِيرُ | |
إِنَّ الْفَصَاحَةَ لَا تُبَارِحُ أَهْلَهَا | لِلَّهِ دَرُّكَ إِنَّنِي مَسْحُورُ | |
يَا أَيُّهَا الْمَنْطِيقُ إِنِّي وَامِقٌ | إِمَّا نَطَقْتَ تَكْشِفُ الْمَسْتُورُ | |
إِمَّا نَطَقْتَ لَوَيْتَ عُنُقًا سَاطِعًا | وَالْقَوْمُ صَمْتٌ كُلُّهُمْ مَأْسُورُ |
الفقيد كنز نفيس من المآثر العظيمة؛ فقد وظف ما حباه الله تعالى من علوم ومعارف لخدمة طلاب العلم؛ وأصبح ملاذًا لكل من يسعى للمعالي وطلب العلم، ويشير إلى فضله العظيم في حقل التعليم على طلاب العلم وتلاميذه ومنهم الشاعر شيخ الحبر، وفقد كان نعم الكهف والملاذ للجميع:
لَوْلَاكَ مَا عَرَفَ الطَّرِيقَ قَبِيلٌ | لَوْلَاكَ مَا عَرَفَ الطَّرِيقَ دَبِيرُ | |
عَلَّمْتَنَا وَرَعَيْتَنَا مُتَعَهِّدًا | فَضْلٌ لِعُمْرِ أَبِيكَ مِنْكَ غَزِيرُ | |
أَحْبَبْتُ فِيكَ تَوَاضُعًا ذَا رِفْعَةٍ | نِعْمَ الشَّفِيقُ وَمَجْلِسٌ مَعْمُورُ | |
آنَسْتَنِي وَالْوُدُّ مِنْكَ مُسَاعِفٌ | فَمَنِ الْمُؤَانِسُ إِنَّنِي مَحْسُورُ | |
أَلْفَيْتُ مِنْكَ مُعَلِّمًا ذَا مِرَّةٍ | وَجْهٌ أَغَرُّ وَمَنْطِقٌ مَبْرُورُ | |
قَد كُنْتَ لِي كَهَفًّا إِلَيْهِ مَآبَتِي | إِنْ شَاطَ زَرْعِي فَالْبَيَانُ مُطِيرٌ |
قوله: قبيل من دبير أي لا يفقه شيئًا أو لا يفرق بين الأشياء، وقوله شط زرعي أي خرجت فروعُه أو سنابلُه، أو أوّلُ ما يظهر منه.
لعله من نافلة القول الإشارة إلى أن الشيخ عبد الله الطيب قد طاف المعمورة مشرقها ومغربها، معلمًا للعربية، ومؤسسًا لمنارات العلم وناشرًا للفضيلة وتشهد له العديد من الدول بفضله فاس والمغرب ودول الإفرنجة وغيرها من البلدان، وقد وثق لذلك في عدد من قصائده منها داليته التي يذكر فيها أيام لندن حيث يقول:
تَذَكَّرْتُ يَا حَسْنَاءُ أَيَّامَ لَنْدَنٍ | وَأَصْنَافَ سُودَانٍ بِهَا وَهُنُودُ() |
كذلك يشير إلى العلوم التي جناها من دولة الإفرنج :
كُنْتَ بِهَا قَدْ قَضَيْتَ الشَّبَابَ | إِلَى الْعِلْمِ فِي سُوحِهَا تَخْتَلِفْ | |
تَعَلَّمْتَ فِيهَا عُلُومَ الْحَيَاةِ | وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْحِجَا اقْتَطِفْ | |
وَشَارَكْتَ فِي حَلَقَاتِ النِّقَاشِ | وَاقْرَأْ كُلَّ ضُرُوبِ الصُّحُفْ() |
من منارات العلم التي أسسها كلية عبد الله بابيرو (بكنو) بنيجيريا منتدبًا من جامعة الخرطوم (1964م ـ 1966م) ووثق لذلك بقوله.
وَجَاءَتْكُمُ مِنْ أَبْنَاءِ تَكْرُورَ دَعْوَةٌ | وَكَانُوا كِرَامًا يَحْفَظُونَ الْمَآثِرَا | |
وَعَلَّمْتَهُمْ عِلْمَ الْبَيَانِ وَخُطَّةً | كَسَرْتُ بِهَا حِزْبًا مِنَ الْغَيِّ مَاكِرَا() |
كذلك عمل أستاذًا للعربية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس بالمغرب في الفترة من 1977م إلى 1986م. وخلال هذه الفترة عين أستاذًا ممتازًا مدى الحياة بجامعة الخرطوم (1979م). كما تعينهعضوًا عاملًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1961م، وفي عام 1990م أسس مجمع اللغة العربية بجمهورية السودان حيث أسندت إليه رئاسته.
يعبر الشيخ الحبر عن تقصيره في القيام بواجب الرثاء تجاه شيخه حتى في حالة المدح يحس بالتقصير؛ لأن شيخه فوق المعاني والوصف:
وَلَئِن رَثَيْتُكَ فَالرَّثَاءُ عَزِيزٌ | وَلَئِن مَدَحْتُكَ نَالَنِي التَّقْصِيرُ | |
كَيْفَ الرَّثَاءُ وَقَلْبِي الْمَفْطُورُ | كَيْفَ الرَّثَاءُ وَلِبِي الْمَشْطُورُ | |
كَيْفَ الْوَدَاعُ وَفِي الْفُؤَادِ شَظِيَّةٌ | إِنَّ الْوَدَاعَ لِمِثْلِكُمْ مَحْظُورٌ | |
كَيْفَ الْوَدَاعُ وَطَيْفُ شَخْصِكَ مَاثِلٌ | مَلَأَ الْجَوَانِحَ وَالْجَنَى مَكْرُورٌ |
كان رحيل الشيخ عبد الله الطيب المجذوب فاجعة وكان وقعها أليمًا واستوى الجازع والصابر في الحزن عليه، عروس الشعر بكته بالدمع الثخين والنثر بالدر الرصين، وعلى سنة قد خلت دعا لقبره بالسقيا، والسقيا التي أرادها سحائب من الرحمة تنزل على قبره وختمها بالصلاة والسلام على سيد الأنام حتى يستجيب الله تعالى لدعائه:
مِنَى اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ أُبَيِّن نَاطِقُ | مِنَى اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ أُبَيِّن نَاطِقُ | |
خَلَّفَتْ بَعْدَكَ لَوْعَةً مُلْتَاعَةً | جِجْ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا جَازِعْ وَصَبُورً | |
خَلَّفَتْ بَعْدَكَ دَمْعَةً مَهْرَاقَة | يَأْمَنَ بَكَاكَ اَلنُّظُمَ وَالْمَنْثُورَ | |
سَقْيًا لِقَبْرِكَ لَايَزَالُ تَدَفُّقًا | بِسَحَائِبِ اَلرَّحَمَاتِ مِنْكَ هَمُّورْ | |
ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ | مَا لَاحَ بَرْقٌ أَوْ تَرَنَّمَ صُورٌ |
من باب الوفاء بكى الشيخ الحبر على شيخه عبد الله الطيب وما أغلى دموع الرجال على الرجال، بنت الضاد الثكلى من يعزيها في مصابها الجلل ومن يعزي عروس الشعر في فارسها الهمام، ومن يواسي القوافي في فقيدها رب القوافي، ومن للمنظوم والمنثور بعد الشيخ عبد الله الطيب المجذوب ــ رضي الله تعالى عنه وأرضاه.