د. حسن مدن لصحيفة الخليج
ما من أغنية يمكن أن نهديها لإنسان نحبّه وهو متوجه لمشوار عمل أو لسفر بالسيارة أو القطار من أغنية «قولوا لعين الشمس ما تحماشي» للفنانة الرائعة شادية. ليس صوت شادية العذب وحده ما أضفى الجمال على هذه الأغنية، إنما أيضاً ألحان بليغ حمدي
ولن يخطر على بال أغلبية الناس أن هذه الأغنية التي تتدفق العذوبة من ثنايا كلماتها وموسيقاها لم تكن في الأصل أغنية عاطفية، فكلماتها كتبت في مناسبة وطنية. ولذلك قصة جديرة بأن تحكى؛ ففي قرية دنشواي التابعة لمحافظة المنوفية في مصر وفي عام 1906، يوم كانت مصر محتلة من الإنجليز، أصاب عدد من جنود الاستعمار، قيل إنهم ستة، سيدة مصرية بالرصاص فأردوها قتيلة، فيما كانوا يُزجون أوقاتهم بصيد الحمام
واحد من هؤلاء الجنود الستة أصيب في نهاية ذلك النهار بضربة شمس، أدت إلى وفاته، ولكي يتستر الإنجليز على جريمتهم بقتل المرأة المصرية، أحالوا عدداً من الرجال المصريين إلى محكمة شكّلوها للتحقيق في موت جنديهم، وعينوا على رأس هذه المحكمة أحد المتعاونين معهم، فحكم على أربعة من أولئك الرجال ظلماً بالإعدام، وعلى آخرين بالجلد، وعلى آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وكوفئ هذا الرجل «رئيس المحكمة» بتعيينه رئيساً للوزراء فيما بعد
أثارت هذه المحاكمة غضباً شعبياً عارماً، من تجلياته أن شاباً مصرياً هو إبراهيم الورداني الذي درس الصيدلة في أوروبا، قرر، وبعد نحو أربع سنوات، الثأر لأولئك الرجال المحكومين ظلماً، وتعبيراً عن مقاومة الاحتلال، فأطلق الرصاص على رئيس المحكمة الذي أصدر الأحكام، وأصبح رئيساً للحكومة، أودت بحياته، فحُكم على الورداني بالإعدام، فانتفض المصريون ضد الحكم، وخرجوا في تظاهرات في كل أنحاء مصر، وهم ينشدون: «قولوا لعين الشمس ما تحماشي/ لحسن غزال البر صابح ماشي»
بعد سنوات استلهم الشاعر مجدي نجيب هذا النشيد، وكتب الكلمات التالية: «قولوا لعين الشمس ما تحماشي/ لحسن حبيب القلب صابح ماشي/ يا حمام طير قبلوا قوام يا حمام/ ويا ناس لو غاب يا ناس/ خلوه يبعتلي كلام والآه بقولها وهو ما يدراشي/ ومن بعدو طعم الدنيا ما يحلاشي/ قولوا لعين الشمس ما تحماشي»، ليتولى بليغ حمدي تلحين الكلمات وتغنيها شادية
كيف يجري الحديث عن هذه الأغنية دون الوقوف عند ملحنها، العبقري بليغ حمدي، الذي سيلحن لاحقاً كلمات أغنية لعفاف راضي، حملت بين ما حملت، معنى قريباً من معنى أغنية شادية، طالبة من الشمس أن تكون رحيمة على الحبيب: «هوا يا هوا، يا نسمة صيف رايحة تعدي على روحي وحبيبي/ خذلو يا هوا، منديل يحوش الشمس وحرّ الشمس عن حبيبي/ اللي مسافر دا حبيبي»