بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي
لم تعد الحكاية حكرًا على البشر. مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، دخلت القصة القصيرة منطقة رمادية، حيث تلاشت الحدود التقليدية بين الكاتب والآلة. فهل نحن أمام تحالف إبداعي جديد؟ أم أننا نواجه تهديدًا لمكانة الإنسان بوصفه المبدع الأوحد؟
إن الذكاء الاصطناعي، بقدرته على تحليل الأنماط السردية وتوليد النصوص، استطاع محاكاة بعض أشكال الكتابة الأدبية، بل أحيانًا إنتاج نصوص تشبه، ظاهريًا، ما قد يكتبه كاتب متمرس. ومع ذلك، تبقى القصة القصيرة مساحة ذات خصوصية عالية. فهي ليست فقط بنية لغوية أو حبكة متقنة، بل هي موقف إنساني، حدس، تجربة معيشة، ونظرة فلسفية للعالم لا يمكن استنساخها أو محاكاتها بالكامل.
يكمن التحدي الحقيقي في أن القصة التي يكتبها الإنسان تحمل وعيًا سرديًا مرتبطًا بخلفيته الثقافية، وطبقات شعورية متراكمة، وصوتًا شخصيًا نابعًا من تجربة حقيقية. بينما تنتج الآلة قصة وفق معطيات وبيانات، دون أن تعيش الخوف أو الحب أو الخسارة. فالذكاء الاصطناعي “يفهم” معنى الموت، لكنه لا “يحزن” عليه. وهذا الفارق الجوهري هو ما يمنح الإنسان تفوقًا إبداعيًا لا يمكن برمجته.
رغم ذلك، لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون حليفًا قويًا للكاتب، يساعده في التحرير، التجريب، أو حتى في استكشاف أساليب جديدة في السرد. حين يُستخدم كأداة، لا كبديل، يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من عملية الكتابة وليس تهديدًا لها.
في الواقع، السؤال الأهم ليس: “هل يمكن للآلة أن تكتب قصة قصيرة؟” بل: “هل ستظل القصة البشرية قادرة على أن تكون أكثر صدقًا ودهشة وإدهاشًا؟” والجواب يتوقف على وعي الكاتب، وتمسكه بجوهر التجربة الإنسانية كقلب نابض لأي نص أدبي.
باختصار، لا يمكن للآلة أن تسرق الحكاية من الإنسان، ما دام الأخير يكتب بجرحه، بصوته، وبأسئلته الوجودية. القصة القصيرة ستبقى ميدانًا للإنسان، إن هو حافظ على صدقه، وجعل من الذكاء الاصطناعي وسيلة لا غاية، شريكًا لا وريثًا.
في النهاية، الحكاية ليست فقط ما يُروى، بل من يرويها ولماذا.