ما كانَ
ذنبُ الوردِ كيْ
يتسّللَ السفّاحُ ليلًا
ناحرًا عنقَ القصيدَهْ
ماذنبُ
أوراقِ الرسائلِ
عندما سرقوا عناوينَ الصباحِ
وأحرقوا عبَثاً بريدَهْ
ما ذنبُهُ الحسّونُ لمّا
ساومَ الجلادُ
أغصانَ الصنوبرِ
كي يصادرَهُ نشيدَهْ
ماذنبُ
أجراسِ النجومِ
ليسرفَ البدرُ المدلّلُ
مُخلِّفًا لهْوًا وعودَهْ
الذنبُ
يختصرُ التساؤلَ
بينَ عينيْ شادنٍ
سكبَ الفراتَ لظامئٍ
أنهى بنكرانٍ وُرودَهْ
ليعودَ بعدَ غيابهِ
متسلّلًا
ما بينَ أهدابِ
التفاؤلِ
واستفاقاتِ السنابلِ
ناحرًا
عنقَ القصيدَهْ
حنين العربي
..
دفعتني المصادفة اليوم إلى قراءة هذا النص لحنين العربي .
وجدت فيه الكثير من الشاعرية التي تفتقر إليها معظم نصوص اليوم ، ولا أقصد بالشاعرية التمكّن من عناصر القصيدة المعروفة من لغة وبيان وبديع إلخ.
فالروح الشعرية تطفح من النصّ، وتنثر عبيره في أرجاء النفس .
وحين نقف على عناصر قصيدة التفعيلة نراها تسير على خطا من شقّوا هذا الدرب الوعر منذ السياب إلى آخر شاعر شاب.
مع البداية ثمّة روعة الاستهلال من خلال الجملة الإنشائية الاستهجانية وهي تدافع عن الجمال في هذه الحياة التي عكّرها الساسة والفقهاء والإمّعات؟
ما ذنب الورد الذي يعني هنا الجمال وبراءة الحياة، ويقابله السفاح الذي ينحر القصيدة لما للعلاقة الجدلية بين الورد والقصيدة، فهما أنوار الحبّ وظلاله في زمن الديجور والجدب.
وفي المقطع الثاني ما ذنب أوراق الرسائل تلك التي كنا ننتظرها، ونشمّ منها عبق الأحبة على الشاطئ الآخر من الحياة ، بعكس رسائل اليوم التي تكتب بلا أنفاس ولا روح ولا جمال.
وفي الثالث ما ذنب الحصون الذي تآمر عليه الجلاد مع الأغصان لمصادرة نشيده الذي يملأ الأجواء بالنغم والفرح والحبّ.
وهكذا وصولًا إلى الجملة الختامية :ناحرًا عنق القصيدة.
فالقصيدة التي هي رمز الحبّ والعطاء والإبداع ، والقلعة التي يتحصّن بها الشاعر مهدّدة بالنحر بل كم تنحر على مذبح أعدائها، وما أكثرهم.
النصّ مليء بالصور البيانية المبتكرة مع رائحة تراثية جعلتها الشاعرة خليطًا من الأصل الذي في الأرض وفرعه في السماء.
كلّ مقطع حكاية ، تلكم إذًا حكايات تلخّص مسيرة الشعر التي تتعثّر كثيرًا أو قليلًا، مع ذلك تبقى أجراس النجوم ترنّ في قلوبنا ،هذه النجوم التي قال عنها يومًا ناظم حكمت:
قلبي ينبض مع أبعد نجم.
وهكذا لن تنكّص القصيدة على أعقابها، ولن ترعوي، فهي الإنسان في عذابه وعذوبته ، وهي السلاح الروحي الذي (قد يتحطّم، لكنّه لا ينهزم) على حدّ ما قاله همنغواي يومًا.
وأخيرًا ما ذنب الشاعرة حنين العربي التي تكتب بصمت بليغ وصدق رفيع في عالم يضجّ بمديح مَن لا نهوى؟