دمعةٌ في القلبِ تخفى
ودمي حافٍ وعارِ
ما لهُ في الأرضِ منفى
يا أبا ذرِّ الغفاري
يا لعينينِ كهمسِ البحرِ في قلبي وحيفا
حينَ شعَّتْ في قميصِ الليلِ أزهارُ البراري
*
كانَ الحلَّاجُ كنرجسةٍ عمياءَ
على ثلجٍ مشتعلٍ مصلوباً فوقَ صليبِ الريحْ
يتنهَّدُ: للرغبةِ ديكٌ أزرقُ فوقَ رمادِ الليلِ يصيحْ
للحبقِ الكحليِّ سماءٌ
للنارِ الخضراءِ أصابعُ
للأشجارِ كما لنساءِ اللهفةِ عشَّاقٌ
للأرضِ شفاهٌ ومدامعُ
للأمطارِ الأولى روحْ
*
يا مالكَ بنِ الريبِ كيفَ يضيئني معناكَ عن بعدٍ
بسرِّ الماءِ في وجعي المكابرِ؟
آهِ.. كيفَ يصلُّ في قلبي نثاركَ أو غبارُ صدى السنينْ؟
النجمةُ الخضراءُ في جسدي وفوقَ يدي تحطُّ القبرَّاتُ
رؤىً.. قصائدَ.. ذكرياتٍ في الدماءِ ترفُّ
أخيلةً تهبُّ من الخريفِ وأغنياتِ الحاصدينْ
قبلَ اكتمالِ قصيدتي سرقَ الشتاءُ أنوثةَ الأشجارِ..
أو سرقَ الغبارُ حدائقَ العشَّاقِ
في أشعارٍ طاغورٍ وليلَ الحالمينْ
لا شيءَ عندي.. لستُ أملكُ أيَّ زنبقةٍ يبوحُ بها الجدارُ
ولا قصائدَ كيْ أهشَّ بها على قلقي الخجولِ
ولستُ أملكُ سيرةً ذاتيَّةً / شعريَّةً للنشرِ في ويكيبيديا
حطبٌ فمي.. ورقٌ خريفيٌّ شفاهي فوقَ هاويتينِ..
روحي كالفراشةِ في شباكِ النارِ…
هل قلتُ الذي يكفي لأكتبَ صمتَ قلبي أو عذابَ دمي ..
لأكتشفَ المسافةَ بينَ ذاكرتي وصلصالِ الحنينْ؟
صادقتُ أنكيدو وعشبَ الليلِ
عشتُ مع الصعاليكِ الذينَ تناثروا
في الحبِّ والأحلامِ والصحراءِ…
جئتُ من الصدى وخرجتُ من ظلِّ الندى
ومن الزنابقِ واللظى والبردِ
من لغةِ البنفسجِ.. من رخامِ الوردِ
من تمثالِ جولييتَ المصابِ برعشةٍ زرقاءَ
من قمرٍ يربِّي الشهدْ
وكتبتُ سونيتاتِ شكسبيرَ
ذقتُ سفرجلَ الأشواقِ يقطرُ من شفاهِ حبيبةٍ
وسياطَ شمسِ الروحِ
صادقتُ الرمالَ.. رقصتُ مع مطر الهوى المجروحْ
*
يذكِّرني جمالكِ أزميرالدا
ومن صبَّتْ نقيعَ الصابِ شهدا
ومن مدَّت يديها واستمدَّتْ
من الشوكِ الذي يهتاجُ وردا
يذكِّرني عبيرَ الهالِ منها
وطعمَ القبلةِ الأولى وخدَّا
وهمسَ البحرِ في نيسانَ يُخفي
تباريحَ الهوى.. وصلاً وصدَّا
وسرَّ اللهفةِ البيضاءِ تمشي
على وجهي شذىً وندىً وندَّا
كأنكِ من عذاباتي امتدادٌ
وأنكِ كنتِ لي في الأرضِ وعدا
ستنهمرُ النجومُ على حوافي
شفاهكِ مثلما ألقيتُ نردا
أحبُّكِ والجراحُ تقدُّ قلبي
من الأيَّامِ والأحلامِ قدَّا
وحزنُ الروحِ ليسَ لهُ لسانٌ
سوى ممَّا تعدُّ النارُ عدَّا
سأغفو والرياحُ على سريري
من الجمرِ المباحِ تئنُّ صهدا
سأغفو مثلَ مرثيَّاتِ لوركا
إلى الزيتونِ والقمرِ المفدَّى
إلى ليمونةٍ في القلبِ تُهدي
براعمها إلى عينيَّ سُهدا
حرائقها تربُّ دمي وتُرخي
ضفائرها على وجهي المندَّى
كتبتُ قصائدي بالدمعِ.. روحي
تضيءُ جراحُها حيفا ونجدا
مددتُ شعاعَ زفراتِ الليالي
لآخرِ لوعةِ الأيَّامِ مدَّا
رمالُ في فمي وعلى شفاهي
تغنِّي النارُ في قمرٍ تردَّى
وفوقَ الصدرِ صخرٌ من بطاحٍ
لمكَّةَ والضلوعُ تذوبُ وجدا
وتسألني القصائدُ كيفَ ماءُ ال
حنينِ يكونُ مثلَ الصخرِ صلدا؟
وتسألني زليخةُ عن قميصٍ
من الوردِ النديِّ وكيف قُدَّا؟
وهل أغمضتُ أجفاني وقلبي
على حبقِ الرياحِ الخضرِ فردا؟
*
ليتَ القصائدَ تنمو في الثرى لأرى
ظلَّاً يفكُّ لقمصانِ الشموسِ عرى
ليتَ القصائدَ نارٌ في الشتاءِ لكيْ
يأوي إلى دفئها الأطفالُ والشُعرا
وليتني كنتُ نهراً في الهواءِ جرى
أو نجمةً في مهبِّ الريحِ أو قمرا
سفينةٌ جسدي خضراءُ مشرقةٌ
وشهرزادُ تضيءُ الليلَ خلفَ قرى
عشباً لقافيتي أو وردةً لدمي
كنْ يا خريفَ نسائي.. أو سناً لأرى
*
أيتها الريحُ مُرِّي سريعاً على أبجديَّةِ حبِّي المشاكسِ
كيلا تشبَّ الحرائقُ في لغتي بعدَ هذا النهارْ
أيها العشبُ ضمِّد جراحي وكن لي وسادةَ غيمٍ وضوءٍ
وكنْ لي دثاراً وناراً تعانقُ سيِّدةَ الاخضرارْ
أيها الماءُ لا تمتحنْ قلقي أو تقارنَ ما ظلَّ من شغفي
بندى الصيفِ أو بصباحِ الخريفِ
وقبَّرةٍ في قصائدِ جون كيتسَ موشومةٍ بالبكاءْ
أيهذا الهواءُ المراوغُ كنْ شجراً عالياً عالياً لحنينِ النساءْ
أيها الشوقُ كنْ جمرةً في الضلوعِ
وكنْ حطباً في ليالي الشتاءْ
*
سيقودني حدسُ الغناءِ لأوَّلِ الأشجارِ
لو أغفتْ يدايَ على نباتاتِ الطريقِ
أو اختفى قمرُ السنابلِ والحليبِ من السماءِ
أو اقتفى ثمرَ الغوايةِ في شفاهِ غزالةِ الأنهارِ
أو أثرَ الفراشةِ في شفاهي
أو وصايا الحنطةِ السمراءِ من مرجِ بنِ عامرَ
أو زنابقَ في الجليلِ من القطيفةِ والمياهِ
فيا إلهي يا إلهي
كنْ معي في ظلمةِ الكهفِ الأخيرةِ
كنْ على قلبي المعذَّبِ
حينما أمشي على موجٍ
وأكتبُ ثمَّ أشطبُ
أو أنادي في الدجى والزمهريرِ عليكَ
كنْ في القلبِ حينَ تخضُّهُ الريحُ الحنونُ
وحينما تمشي بهِ الأنهارُ حتى آخرِ الدنيا..
إلى أقصى متاهِ
حينما ينحلُّ صوتُ الريحِ في روحي
كنجمٍ حائرٍ أو صرخةِ الضوءِ الأخيرةِ
أو صدى البلَّورِ ما بينَ التلاشي والتماهي
*
شاعرٌ يحلمُ الآنَ بالكحلِ أو بالأكفِّ المحنَّاةِ
أو يتعثَّرُ ليلاً بزفرتهِ في الطريقِ
فراديسهُ ضيَّعتهُ.. رثاهُ غبارُ الحريقِ
فمن يمسحُ الدمعَ عن صوتهِ المتشظِّي؟
ومن يغسلُ الحزنَ في دمهِ بالندى والعقيقِ؟
أما آنَ للنهرِ أن ينثني؟
وأن ينحني جبلُ الغيمِ حتَّى تمرَّ طيورٌ مهاجرةٌ
في بداياتِ نوفمبرٍ لسرابٍ سحيقِ؟
أما آنَ للنائمِ الحلوِ أن يستفيقَ ويمشي على الماءِ
من حبقٍ ساهرٍ في الجليلِ إلى ما تربِّي حقولُ الندى
من براعمَ أو حنطةٍ في غنائي؟
وغرناطةُ الروحِ في القلبِ تشعلُ ليلَ قناديلها
وتلمعُ صرختها في دمائي
*
اللهفةُ امرأةٌ تنادي في مزاميرِ الرياحِ عليكَ: عُدْ لي من أقاصي الأرضِ، كنْ شمسي وكنْ قمري وكنْ شجرَ الحديقةِ والقصيدةَ، كيْ أكونَ المرأةَ المرآةَ، أو ضوءَ الفراشةِ في الظلامِ، وكيْ أكونَ الزنبقَ العاري وبنتَ الياسمينِ الأبيضِ الرقراقِ، أختَ سفرجلاتِ الليلِ، بالوجدِ احترقتُ وبالحنينِ، سفينةً رمليَّةً وسليلةَ الماءِ الحزينِ وصوتِ موجِ البحرِ، نورسةَ الأغاني والسنينِ، اللهفةُ امرأةٌ تمرُّ على شفاهي نسمةً، تنهيدةً أو زفرةً ناريَّةً منقادةً بالحدسِ أو بالهمسِ حتى آخرِ الرعشاتِ في الدمِ والحرائقِ في العيونْ
*
المرأةُ / القصيدةُ / الكأسُ الحليبيَّةُ / عطرُ الطلعِ / سرُّ الماءِ / رغبةُ اخضرارِ الغيمِ في نيسانَ / طعمُ القبلةِ الأولى / أنوثةُ الندى وشجرِ الخريفِ.. جاءَ تترٌ على جناحِ الريحِ في الليلِ إلى مخدعها فسرقوا نرجسها وقبسوا جمرتها وأكلوا وردتها وسكبوا القارَ على سمائها في الليلةِ المنعتقةْ
تطلعُ من أعماقها البحريَّةِ الخضراءِ شمسٌ غضَّةٌ فضيَّةٌ بحلمها مغرورقةْ
صديقةُ الريحِ وسرُّ الورقةْ
تشعُّ في بريَّةِ القلبِ وفي أصابعِ الشتاءِ أو تطلعُ من قاعِ رمادِ الماءِ والقصائدِ المحترقةْ
أرفعها نخبَ حنينٍ لشفاهِ النارِ أو كصخرةٍ في الزمنِ المخنَّثِ الأخيرِ أو كزفرةِ الندى من القاعِ إلى القمَّةِ أو من جسدِ الماءِ إلى أقصى شغافِ الرقرقةْ
سيزيفُ لن يموتَ والفراشةُ الصفراءُ في قلبي.. وقلبي شرنقةْ