أحبّ القراءة كثيرًا، وأحبّ أن أقتني الكتب، النّادر منها في الأغلب، وأفضل نسخها من حيث الترجمات، كما أن الكتب معظمها تحتل ذات المكانة في قلبي، يحدث دائما ان أقضي وقتًا طويلا معها، أتلمّس صفحاتها، وأغيب في عوالمها، أشغلُ نظري في ألوان أغلفتها، أتشممّ رائحة أوراقها وأتحسس ملمس صفحاتها، كانت ثروتي الحقيقية التي تملكني مثلما أملكها، إلّا ذلك الكتاب، الذي وجدته مصادفةً، مهجورا ومنسيّا على مقعد في حديقة عامة كبيرة، انتظرت بقربه ساعات علّ صاحبه يعود فيأخذه، ولكن لم يأتِ أحد، فأخذته معي إلى غرفتي، لزمتُ صحبته و صار يشاطرني معظم وقتي ونال اهتمامي بتمّيزه وغناه، فاستحقّ محبّتي، وأشرقتُ به كما أزهرَ بي،صرتُ أحملُهُ في حقيبتي إلى كل مكان أذهب إليه.
وفي ذات يومٍ مزدحم بالأعباء والهموم، أضعتُ كتابي، لا أعرف أين فقدته؟ حزنت بشدّة لأنّه ضاع قبل أن أتمّ قراءته، ولم أفكّ ذلك اللّغز الذي يحتمل وجوده، بحثت عنه كثيرًا فلم أجده، ارتدت مكتبات كثيرة فلم أجد بديله على رفوفها، دخلت إلى عشرة مواقع الكترونية لأجد بديلًا عنه، ولكن لم أعثر على شبيه له ، شعرت بالحزن، كان كتابا نادرًا.
ذات صباح وجدتُ امرأة تحمل ذات الكتاب الذي أضعتُهُ، ولفت انتباهي أنّها كانت تكلّمه، ما تلبثُ أن تضعه قربها، حتى ترفعه إلى صدرها وتحضنه، أوجس القلق قلبي، مع ذلك استقمتُ من مقعدي وذهبت إليها، فسألتها:
-أمن الممكن أن تقرضيني هذا الكتاب؟
-نظرت إليّ بلؤم، وردّت:
-وهل تُعار الكتب؟
ابتسمتُ، وأنا اشرح لها:
-عذرًا، وجدتُ هذا الكتاب مصادفةً، وقرأت معظمه، لكني فقدته، حتّى أنّي سجّلت اسمي عليه، فهلا قرأتي هنا
ورحت أشير إلى مكان اسمي فوجدته محفورًا في آخر صفحاته.
منتفضة المرأة قامت، تدمدم غاضبة:
-هو في الأصل لي، وأنا نسيته في الحديقة، فما كان لنا حتّى وإن أضعناه يعود إلينا. غادرت المكان مسرعة وفي حوزتها الكتاب، وتركتني واجمة في مكاني اعيش لحظات حيرتي وحزني.