شعر: عبد الحكيم الزبيدي
وقف الصغيرُ
على ضفاف النهرِ يسألُ
فيمَ غيضَ الماءُ وانحبس السحابُ
وأقفرت كلُّ الدروبْ؟
ما لِلسماءِ تساقطتْ
وتهاوتِ الأفلاكُ منها والنجومْ؟
والليلُ داجٍ مُدلهمٌّ بالأسى
والأفقُ يكسوهُ الشحوبْ
والريحُ تعصفُ والغصونُ
نشيجُها يحكي النحيبْ
والرعدُ يقصفُ والصواعقُ زلزلتْ
والقطرُ يهمي في سكونْ
فيمَ الجموعُ تسيرُ ساهمةً
تغذُّ السيرَ للمجهولِ في صمتٍ رهيبْ؟
ويصيحُ: يا أبتي الحبيبُ
ولا مُجيبْ
وتوقّفَ الركبُ المهيبْ
وهناك تُفتحُ حفرةٌ
في ذلك الخبتِ الرحيبْ
وبلمحةٍ فيها يغيبْ
هالوا عليه التُربَ
والجبهاتُ تندى في خشوعْ
واسترجعوا يدعون بالرّحماتِ
وانسكبت دموعْ
ثم استدار الركبُ يمشي في أسىً
وتفرّقت تلك الجُموعْ
والطفلُ ينهجُ في خضوعْ
آبَ الجميعُ ووحدَه باقٍ
يئنُّ وليس يقدرُ أن يؤوبْ
وبدا بزوغُ الفجرِ أسودَ
مثل ليلٍ تاهت الأفكارُ فيه والقلوبْ
وأوى لبيتٍ شقَّ مسكنَه الأسى
وتوارتِ الأحزانُ في أنحائِهِ
وأمضَّهُ يومٌ عصيبْ
ورنا إلى المرآةِ يدفنُ حُزنَهُ فيها
فيفزعُ إذ يرى كهلاً
كليلَ الطرفِ ذا وجهٍ كئيبْ
مُتغضِّنَ الوجناتِ
والخصلاتُ جلّلها المشيبْ
ورأى سنينَ العُمرِ تمضي
مثل شمسٍ أسرعت نحو المغيبْ
ومضى يسائلُ نفسَهُ
كيف السبيلُ إلى السُّلُوِّ
وأين يمكنُهُ الهروبْ؟