كيف يعاقبنا المجتمع، رواية عِقاب.

أنت بلا معنى، لا فائدة منك، أنت عالة علينا.. بهذه العبارة القاسية أفتتح روايتي الأخيرة عِقاب، رواية تجسّد المعاناة والخيبة وانعدام الأمل. عملٌ روائي حاولت فيه أن ألامس عمق المجتمع الليبي ومأساته المروّعة، لقد خلقت وجودًا لشخصيات انتُشلت من رحم الجحيم، وجمعت أشلاؤها من تحت الركام. عِقاب عنوان لرواية صنعت من بطلها وحيد واقعا أليما، إذ عكست صورة غائبة لا تروى، بل تحكى في الخفاء؛ خلف الأبواب المغلقة، والجدران المعتمة التي تخبّئ أسرار الفقر والعنف الأسري والمجتمعي. في ظل صورة مشوّهة لكائن يستحق أن يعيش، دون أن تسحق كرامته تحت أحذية العُرف والقبيلة. وحيد، بطل الرواية، يجسّد الحقيقة الغائبة؛ تلك التي طويت صفحاتها خلف خِربة بيت قديم، بيت كان الأب والأم والأخت يعانون فيه من حريقٍ يصلب أرواحهم أمام عصرٍ يعيد إنتاج التقسيم الطبقي، في مجتمعٍ تملكه المال والنفط. هذه الرواية تضعنا أمام مساءلة أخلاقية قاسية، وتجبرنا على الانحياز لمن فقدت كرامته تحت نعال الطغاة. لم أكتفي بسرد المأساة، بل رسمت معاناة المدن والقرى المنسية في صحراء فزان الواسعة، هناك حيث تحرق الشمس ذاكرة القرى، وتطمر ما تبقى من أثرها أمام صمت المسؤولين. في عِقاب، تتحدث الأشياء: الجبل والخنفساء يتكلمان، الوادي يبوح بأسراره، والشوارع تعزف لحن موتها الأخير. كل شيء في الرواية يملك صوتا، وكل شخصية تروي جرحها، وكل جدار وأرض يحملان قصة عن الماضي والحاضر. في الرواية لا يسعى وحيد نحو مستقبل مشرق، بل نحو انتقام بارد يهدف إلى هدم كل من كان سببا في مأساة طفولته. أعالج من خلال هذا النص الروائي معضلة وجودية عميقة تتلخّص في مفهومين: الخير والشر. وأطرح أسئلة مؤرقة من بينها: من أين يأتي الشر؟ ما مصدره؟ هل هو كامن في طبيعة الإنسان؟ أم أنه نتاجٌ لتراكم اجتماعيّ هائل، يصنع المأساة ويعيد إنتاجها في كل جيل؟ عِقاب ليست مجرد رواية عن الألم، بل مرآة تنعكس عليها قسوة الوطن الممزق بالصراع، وتكشف كيف يتحول البريء إلى سفاح منتقم، وكيف يولد الشر حين يدفن الإنسان حيا داخل مقبرة جنح الظلام. طبعت في دار النهضة العربية، لبنان، بيروت.
الكاتب قصي محمد